International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي .. فنان حضاري

Article Title : لؤي كيالي .. فنان حضاري
Article Author : محمد الراشد
Source : جريدة الجماهير -حلب
Publish Date : 2010-07-08


لؤي كيالي .. فنان حضاري

الخميس8-7-2010
د. محمد الراشد

مع بدايات ربيع عام /1967/ أخذت حواراتنا شكلاً آخر.. وكأنما كل منا رفع تحية الوداع لعالمه الخاص بشكل أو بآخر ، فأسدلنا ستاراً كثيفاً على الآداب والفنون .. لنحصد الساعات في نقاشات حادة حول الضجيج الإعلامي العربي المتمثل بالانقضاض على اسرائيل وقذفها في البحر ليحلم الحالمون بكل ما هو آت من ثمار يانعة. لكنما بقدر ما كان لؤي متفائلاً بالخطاب السياسي العربي ومتهللاً به بقدر ما كنت مشحوناً بركام من الأحزان إلى ما بعد التشاؤم.. رسواً على مرافئ الآمال الخائبة، وتمت النكسة الكبرى في ذلك العام الحزين .. وبعد مأساة الخامس من حزيران لعام 1967 ، لملم الفنان الموشح بالأحزان جراحاته عائداً إلى مسقط رأسه في المدينة البيضاء حلب الشهباء ليحيط نفسه بأسوار من العزلة تكاد تقترب هوامش من عزلة أبي العلاء المعري الذي سبق أن غادر العاصمة العربية الإسلامية بغداد ليأوي إلى مسقط رأسه معرة النعمان قبل ألف عام، ثم ما لبثت أن ساقتني ظروفي أنا الآخر إلى طلب نقلي من جريدة الثورة بدمشق إلى جريدة الجماهير بحلب، وكان بالنسبة لي حدثاً مصيرياً.
وفي مدينة سيف الدولة راحت تظللنا لقاءات مبعثرة في مقهى (الدنيا) الذي نُسف من جذوره وتم ضمه إلى ساحة سعد الله الجابري رحمه الله ، وأحيانا في مقاه أخرى.‏

في هذه المرحلة الزمنية اتسم الفنان التشكيلي لؤي بالصمت إلى درجة لم يعد يمارس الكلام إلاّ قليلاً . وكاد أن يتوقف عن مصافحة أحلامه الجسام التي تعشش في قلب كل عربي .‏

وراحت الأيام تترى على مدارج الأحزان .. وكان إحساسي به كانسان حقيقي يتبلور مع كل صباح ، ويقيني به كفنان حضاري يتصاعد مع كل لقاء.‏

وذات يوم ، نسجت معه حواراً مطولاً أسجل لكم أهم مدارته بالدقة الممكنة إن أسعفتني الذاكرة :‏

ـ عزيزي لؤي ، لماذا ترسم؟‏

ـ لأنني فنان .‏

ـ اكرر سؤالي : لماذا ترسم يا صديقي ؟‏

ـ لأحقق شرطي الإنساني .‏

ـ وهل تم لك ذلك؟‏

ـ بقدر .. ولكنني ما زلت على الدرب أسير.‏

ـ وكيف تتعامل مع الخطوط والألوان؟‏

ـ كما يتعامل النحل مع الأزهار.‏

ـ وكيف ترصد مساحة اللوحة وامتداداتها ؟‏

ـ كما ترصد أنت الفكرة قبل صياغتها بالحروف والكلمات.‏

ـ وحين تنتهي منها كيف تقيِّمها؟‏

ـ كما تقيَّّم أنت الموضوع بعد تسطيره ، وكما يرى المزارع شجرة الزيتون وقد أثمرت بعد سنوات عشر.‏

ـ وهل أصبحت غراسك أشجاراً مثمرة؟‏

ـ اسأل نفسك عن حصاد كتاباتك؟‏

واخترق حوارنا قادم بلا استئذان لنتوقف عن الكلام ..‏

ورحل لؤي بمصرع مأساوي ، لكنه ما زال متمركزاً في الذاكرة التاريخية للفن التشكيلي ، ولعل أعماله الرائعة التي جسّد فيها أبعاده الرئوية تؤكد لنا دفقه الحضاري باعتباره أنموذجاً فريداً من نوعه بحكم كونه مدرسة فنية قائمة بذاتها على طول امتداد عطاءات الفن التشكيلي في الجغرافيا العربية .. لكنما لم يعطه النقاد التشكيليون حقه من الدرس والتحليل والاختراق لمساراته الإبداعية في عوالم الخط واللون والتشكيل.‏

وقد علمت بأن الفنان والناقد التشكيلي صلاح الدين محمد سبق أن أنجز كتاباً بحدود مائتي صفحة عن لؤي وفنه ، وقدم الكتاب إلى دار نشر في إحدى العواصم العربية ، والمثير في الموضوع والمحزن معاً أن الكتاب سُرق من دار النشر أو ضاع إلى آخر ما هنالك من مؤشرات تثير ركاماً من التساؤلات ...‏

وإذا كانت انجازاته الأولى تذكرنا بـ (صورة الفنان شاباً) التي رصد فيها جينس جويس المحاور الأساسية للفنان الغربي ، فان انجازاته بعد مأساة الخامس من حزيران وحتى ميقات اليوم الموعود تختزن في مساحاتها وخطوطها وتلوناتها ما يؤكد انتماءه إلى الطبيعة بكل صفائها نقدم لوحات فلسف فيها الطبيعة من خلال ذلك التمازج الذي حققه مع أبجديات الطبيعة وقيمها كما هو واضح في تلك الأعمال الفنية التي لا تكاد تخرج من دائرة الزهور والورود ، وهذا لا يعني تعطيل توجهه الواقعي الذي عُرف به، فكل ما هنالك انتقل من معالجة القضايا الاجتماعية والوطنية إلى معالجة جماليات الطبيعة وعبقها الفواح..‏

ذلكم هو جانب من ذكرى الفنان الحضاري لؤي كيالي الذي كانت تقسمه ثلاثة محاور في عمق تركيبه النفسي .. الكرم والجود .. والحساسية المرهفة .. والتوهج مع الخطوط والألوان .‏