International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> ما كتب حول محاضرة - لؤي كيالي بين الفن والجنون

Article Title : ما كتب حول محاضرة - لؤي كيالي بين الفن والجنون
Article Author : مجموعة كتاب
Source : مجموعة مصادر
Publish Date : 2009-02-24


يسر المركز الثقافي الفرنسي في دمشق دعوتكم لحضور المحاضرة التي يلقيها سعد القاسم بعنوان " لؤي كيالي بين الفن والجنون"
يوم الثلاثاء 24 شباط 2009 عند الساعة السادسة مساءً
تلقى المحاضرة باللغة العربية و تترجم فوريّاً إلى اللغة الفرنسية
الدعوة عامة

محاضرة عن الفنان لؤي كيالي
18:00 | الساعة 2009-02-24 الثلاثاء
المركز الثقافي الفرنسي

في 26 كانون الأول عام 1978 رحل لؤي كيالي بعد نحو ثلاثة أشهر من احتراقه في مرسمه. وبعد حياة لم تدم أكثر من أربعة وأربعين سنة لكنها كانت حافلة بالجد حول فنه وشخصه. فالفنان الذي بدأ حياة إبداعية هادئة تهتم أساساً برسم المواضيع التي يفضلها عشاق الفن الأثرياء. وجد نفسه قبيل أواخر الستينات مستغرقاً في هموم الناس البسطاء وقضيا شعبه الكبيرة ليحقق تحولاً حاداً في اتجاهه الفني مضحياً بجمهوره التقليدي دون أن يكسب من الطرف الآخر سوى الرفض المغلف بالتحفظ والتشكيك مما قاده إلى حال نفسي شديد القسوة ظل السمة الملازمة له حتى رحيله.

سعد القاسم فنان وناقد تشكيلي، ترأس وأدار أهم الصحف السورية التي تعنى بالفن التشكيلي: مجلة الحياة التشكيلية، مجلة الفنون التشكيلية. وترأس تحرير مجلة فنون (مجلة الإذاعة والتلفزيون) كما كان مديراً في التلفزيون السوري.
يرأس لجنة القبول في نقابة الفنون الجميلة ولجنة تحكيم معرض الفنانين الشباب منذ العام 2000. وهو مدرس لمادة الفن في المعهد العالي للفنون المسرحية.


الفن والجنون لؤي كيالي نموذجاً
محاضرة لسعد القاسم في الثقافي الفرنسي بدمشق
موقع اكتشف سورية الالكتروني
عمر أسعد
26 شباط/2009
ضمن سلسلة محاضرات «بين الفن والجنون» التي يقدمها المركز الثقافي الفرنسي بدمشق، ألقى الصحفي والناقد التشكيلي سعد القاسم محاضرة عن الفنان السوري الراحل لؤي كيالي، مؤكداً فيها على العلاقة الوثيقة بين الفن والجنون تاريخياً، وأن الجنون الإبداعي ليس هو الجنون المتعارف عليه بين أوساط العامة إنما هو غرابة الأطوار، وأن أزمات المبدع الحقيقي تكون شديدة الحساسية تجاه كل ما يحيط به من حياة الآخرين.
استعرض القاسم بدايةً ثلاثة نماذج من الفن التشكيلي العالمي، ممن عرفوا بغرابة أطوارهم، وهم: فان غوخ، وسلفادور دالي، وفرانشيسكو غويا. وعن فان غوخ يقول القاسم: «في عام 1990 وبمناسبة مرور 100 عام على رحيل فان غوخ نشر أحد الباحثين الأمريكيين دراسة يؤكد فيها أن حادثة قطع فان غوخ لأذنه لم تكن إلا لإصابته بالتهاب في الأذن فأراد أن يتخلص من ألمها، ما أثار ردة فعل عنيفة عند الناس ممن رسخت في ذهنهم صورة غوخ المبدع الذي قطع أذنه وأهداها لفتاة يحبها، لأنه كان يعيش حالة جنون إبداعي وقلق نفسي دائم، وهذا بالفعل ما يظهر من خلال لوحاته وضربات ريشته».

ويعتبر القاسم أن دالي افتعل غرابة الأطوار طلباً للشهرة، واستعرض هنا مراحل حياته ليؤكد وجهة نظره، فدالي بدأ واقعياً، ثم انتقل إلى التكعيب، وبعدها إلى التجريد، ليحط رحاله في السيريالية، والسيريالية أتت رغبةً من دالي في لفت الانتباه إليه.
وعن غويا يقول: «انتقل غويا من حياته الأنيقة وطريقته الواقعية في الرسم إلى شيء من الهذيان الفني والنفسي الذي ساد لوحاته أخيراً، نتيجة تأثره بمحاكم التفتيش المقامة في أوروبا ذاك الزمن، وخسر غويا مكانته كرسام البلاط الملكي الإسباني مما أجبره على الهرب نتيجة لمواقفه».
يستعرض القاسم حياة هؤلاء الفنانين الثلاثة مع مجموعة من أعمالهم، مشدداً على أثر الظروف الاجتماعية في مسيرة حياتهم الإبداعية، كمقدمة للدخول في تجربة لؤي كيالي.

كيالي، الحياة الكثيفة
استعرض القاسم حياة لؤي كيالي منذ الولادة فيحلب سنة 1934 وظهور الميول الفنية لديه في سن مبكرة قبل بلوغه العاشرة. ففي عام 1952 أقام كيالي معرضه الأول والتحق بكلية الحقوق بعد نيله الشهادة الثانوية، لكنه تقدم إلى منحة لإيفاد الطلاب إلى روما عام 1956 وحصل عليها عام 1957. التحق كيالي بكلية الفنون الجميلة وانضم بعدها إلى نادي البندقية لينال عن لوحته «البندقية» إحدى أرفع الجوائز في إيطاليا، وتُظهر لوحة كيالي كما استعرضها القاسم مدى الاستقرار والبساطة التي كان يطلبها ويرغب بها كيالي.
اصطدم كيالي في إيطاليا بأحد أساتذته ما أدى إلى انتقاله من قسم الرسم إلى قسم الزخرفة الذي تخرج منه ليعود إلى سورية عام 1961 ويبدأ التدريس في مدارس حلب ودمشق ثم في كلية الفنون الجميلة.
أحب كيالي إيطاليا التي درس فيها وبنى مع الوسط الفني التشكيلي فيها مجموعة علاقات أتاحت له إقامة عدد من المعارض خلال الأعوام 1963- 1964 -1965، وكانت لوحاته في تلك المرحلة تمثل تعبيراً إنسانياً بشكلها المطلق المجرد إذ اشتهر برسم الوجوه وبالذات الوجوه النسائية الجميلة.
واعتبر القاسم في حديثه أن مرحلة الستينيات هي المرحلة المفصلية في حياة كيالي، إذ أقام معرضه في سبيل القضية عام 1967، وهو عبارة عن 30 لوحة مرسومة من الفحم تُلخص المعاناة الفلسطينية، وقد جاب بهذه اللوحات محافظات سورية كلها، وشاءت الأقدار أن تشتعل حرب حزيران والمعرض لا يزال قائماً، ما أثر في نفسية كيالي فأحرق اللوحات كلها وأحرق أرشيفه الصحفي، ودخل في أزمة نفسية أدت إلى تركه التدريس، وانتقاله إلى بيروت لمواصلة العلاج الذي استمر قرابة سنة ونصف، عاد بعدها إلى حلب ليستقر فيها وهو مجروح من بعض النقاد الذين اعتبروا تحوله إلى الرسم في القضايا الوطنية تحولاًً انتهازياً متناسين القيمة الفنية العالية التي تركتها تلك اللوحات.
استمرت تداعيات الأزمة النفسية على حياة كيالي حتى قيام حرب تشرين عام 1973، فاستعاد بعدها صحته النفسية وعاد لرسم لوحات مختلفة عما رسمه في مراحل سابقة، واستطاع التوصل إلى تقنية جديدة في الرسم وهي الرسم على الخشب المضغوط، كما انتقل خلال تلك الفترة إلى الاهتمام بالمساحات اللونية الشاسعة والاهتمام برسم الوجوه وتفاصيلها، واستعرض القاسم بعض لوحات كيالي التي تنتمي لهذه المجموعة ومنها: «مرممو الشباك» و«ماسح الأحذية» و«حلاق القرية» و«عازف الناي» و«عازف العود» و«بائع اليانصيب».
وحسب القاسم فإن الناقد صلاح الدين محمد يعتبر أن الفترة من 1973 إلى 1976 هي الفترة الذهبية في حياة كيالي، إذ رسم فيها كثيراً من لوحاته الهامة، واهتم بالمشاهد الجميلة، والزهور، والطبيعة، والعناية بالتفاصيل عارضاً كدليل على هذا لوحة «الشقيقتان».
بعد هذه المرحلة عاد كيالي ليدخل أزمة جديدة لأن المجموعة الفنية المحيطة به انفكت عنه، فهاجر بعضها وترك بعضها كيالي لأسباب أخرى، ففكر بالعودة إلى إيطاليا وعاد فعلاً إليها في عام 1977، لكنه اكتشف أن ما تركه هناك لم يبق على حاله، فالوسط الثقافي والتشكيلي تغير ودخلت التجارة إلى العمل الفني بقوة، هنا دخل المرحلة الأخطر من أزمته النفسية وبدأ في تناول الحبوب المهدئة، وبعد إصابته بحروق خطيرة نتيجة احتراق مرسمه عام 1977، توفي كيالي بعد حياة كثيفة استمرت ما يقارب 44 عاماً قضاها مبدعاً وفناناً ذا حساسية عالية.

لؤي كيالي..تجربة تشكيلية انهتها لفافة تبغ
وكالة سانا السورية للأنباء - النشرة الثقافية
28 شباط , 2009
خير الله علي

في محاضرة له تحت عنوان بين الفن والجنون والتي تناولت سيرة حياة الفنان الراحل لؤي كيالي وتجربته الفنية القصيرة والحافلة بالجدل توقف الناقد التشكيلي سعد القاسم عند أبرز المحطات في رحلة كيالي التشكيلية والأثر الذي تركته تجربته في الحركة التشكيلية السورية والعربية.
وجاءت المحاضرة في سياق فعالية ينظمها المركز الثقافي الفرنسي حول الفن وحياة الفنانين وجرى خلالها عرض مجموعة مختارة من الأفلام السينمائية عن بعض الفنانين شملت الفنان الراحل فاتح المدرس والفنان جبر علوان والفنان الهولندي الشهير فان كوخ.
وخصص القاسم الجزء الأول من المحاضرة للحديث عن بعض الفنانين العالميين الذين اتهموا بالجنون أو بسلوكيات غريبة في مجتمعهم وانعكاس ذلك على رسوماتهم وموضوعات لوحاتهم مثل فان كوخ وسلفادور دالي و فراشيسكو غويا وقال إن العلاقة بين الفن والجنون هي علاقة وثيقة في الموروث الشعبي لكن تاريخ الفن لا يوافق على هذه الرؤية.
ثم انتقل المحاضر لسرد قصة الفنان كيالي الذي تكشفت موهبته الفنية في سن العاشرة في مدينته حلب وقال ..إن كيالي كان في تلك الفترة مغرماً برسم الوجوه بقلم الرصاص وحقق حضوراً جيداً قبل انتسابه إلى كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1954 حيث اشترك في معرض الجامعة عام 1955 وفاز فيه بالجائزة الثانية.
وأسف القاسم بهذه المناسبة لعدم استمرار هذا المعرض المهم وهذه الجائزة التي كانت تسهم الى حد كبير في النشاط التشكيلي على مستوى الجامعة.
بعد ذلك استعرض جوانب من فترة دراسة كيالي في ايطاليا ومشاركاته في المعارض هناك والإعجاب الذي لقيته أعماله بين الوسط الفني الايطالي والأساتذة حيث كان كيالي يميل إلى رسم الوجوه الجميلة بأسلوب واقعي تعبيري يتسم بتكتيك جديد جذب إليه الأنظار.
وقال القاسم ..بعد سنوات من عودة كيالي من ايطاليا إلى حلب بدأت موضوعاته تأخذ مساراً آخر لها علاقة بمجتمع آخر غير ذلك الوسط البرجوازي الذي يرسم له ويعيش في بهرجاته حيث راح يرسم الأطفال المشردين في الشوارع ووجوه المتعبين من خلف زجاج المقاهي التي كان يرتادها مع أصحابه.
وأضاف..أن كيالي تفاعل في هذه المرحلة أكثر مع الأحداث السياسية الساخنة ولاسيما قضية الشعب الفلسطيني المشرد من أرضه فأقام معرضاً عنوانه في سبيل القضية جاب فيه محافظات القطر.
وأضاف.. بينما كان المعرض يقام في إحدى المحافظات حدثت نكسة حزيران عام 1967 فكانت وطأة الحدث شديدة على هذا الفنان الحساس المرهف فأحرق لوحات المعرض وأرشيفه الصحفي وعاش أزمة نفسية.
وامتدت هذه الحالة حتى مطلع السبعينيات حيث بدأ يتعافى وجاءت حرب تشرين التحريرية لتضخ في روحه التفاؤل والأمل وعاد إلى الرسم وكانت موضوعاته الجديدة تحمل إشراقات جميلة رسم فيها الزهور وصيادي السمك وبلدة معلولا وغيرها من الموضوعات المبهجة.
لكن تفرق الأصحاب يقول القاسم ترك أثراً سلبياً على لؤي وبدأت ملامح أزمة جديدة في حياته فقرر السفر إلى روما والعمل هناك لكنه فوجىء في روما بمناخ فني جديد ذي طابع تجاري لا يستهويه فأحبط وقرر العودة إلى حلب وكان قد باع منزله وكل ممتلكاته قبل السفر واستأجر من جديد غرفة بعيدة عن وسط المدينة وراح يتعاطى الحبوب المنومة ليطرد حالة القلق التي كان يعيشها.
وبسبب هذه الحبوب سقطت لفافة التبغ المشتعلة ذات مساء على فراشه وهو في شبه غيبوبة فاحترقت الغرفة وتعرض هو لإصابات بليغة في الجلد أسعف على أثرها إلى مشفى حرستا بدمشق ليموت بعد ثلاثة أشهر من العلاج تاركاً في رحيله فراغاً كبيراً في الحركة التشكيلية السورية ما زال يتحدث النقاد عنه حتى الآن.
وعرض القاسم خلال المحاضرة على شاشة كبيرة نماذج من لوحات كيالي خلال كل المراحل الفنية التي مر فيها.

المبدع لؤي كيالي بين الفن والجنون
صحيفة تشرين
دمشق - ثقافة وفنون
الاثنين 2 آذار 2009
أحلام الترك

ربما ليس الوحيد الذي حصد التميز في الفن التشكيلي السوري إنما الوحيد الذي اندغمت حياته الشخصية بحياته الإبداعية، وظل الحديث عنه /فنه وشخصه/ يأخذ منحىً إشكالياً حتى الآن، وكأن رحيله لم يمض عليه ثلاثون عاماً.
لؤي كيالي الذي كُتِبَ عن رحلته الحياتية القصيرة والفنية المليئة بالزخم والعطاء كتابان للفنان ممدوح قشلان والناقد صلاح الدين محمد، ومئات المقالات وما زال الحديث عنه يغري بالاستزادة فهناك كتاب سيصدر قريباً للناقد طارق الشريف عن كيالي.
ويرى الفنان والناقد التشكيلي سعد القاسم أن تجربته الفنية الغنية تستحقّ مزيداً من الإضاءة، ولهذا كانت محاضرته التي ألقاها في المركز الثقافي الفرنسي منذ أيام واندرجت ضمن برنامج المركز عن حياة بعض الفنانين العالميين بين )الفن والجنون).. ووضح فيها أنه يجب ألا نخلط بين الجنون بالمفهوم التقليدي وجنون المبدع، فبذرة جنونه لا تمتُّ بصلة إلى هذا المفهوم، إنما هي حساسيتهم الفائقة الرهافة وطباعهم التي تميل إلى قلقٍ مبدعٍ يبحث عن الحقائق والعمق والتميّز، لكن الخيال الشعبي يربط عادةً بين الفن والجنون، وينظر دائماً لغرابة أفعال المبدع على أنها جزء من وجوده وعمله. ‏
لؤي كيالي كما تحدَّث الناقد سعد القاسم وشرح بعضاً من لوحاته: عاش حياة لافتة بكل تفاصيلها، وتميّز بأسلوبٍ فني خاص نُسِبَ إليه فقط وسُمِيَ باسمه رغم وصف أسلوبه بالواقعية التعبيرية التي اعتمد فيها مساحات لونية واسعة، وخطوطاً قوية واضحة، ومحاولة تبسيط جعلت لوحاته رغم تناولها مواضيع حياتية قاسية (الفقر، البؤس، الطفولة المشردة) تتسم بنقاء وصفاء يشبه سريرة لؤي كيالي الذي كان صادق التعاطف مع ما رسمه، نبيل المشاعر تجاه ما تبناه من مواضيع كرّسها في أغلب لوحاته مثل: (عمال السفن والصيادون والباعة المتجولون، الزهور، منطقة معلولا)، ثم ما رسمه على خامة الخشب بديلاً عن القماش وقد حرص على إبراز تأثير الخشب على ألوانه التي لم تكن مألوفة، والتي كان يمدّها بشفافية تميزه مواضيع عديدة وأسلوب ذو خصوصية لفنان تفتحت مواهبه باكراً ونضجت في أول معرضٍ له وهو ابن سبعة عشر عاماً ثم نجاحه بامتياز في مسابقة أجرتها وزارة التربية أواخر الخمسينيات، على إثرها أُوفِد إلى كلية الفنون الجميلة في روما ليترك دراسة الحقوق بدمشق، ويبدع في الرسم ويثبت تميزه كطالب عبر نجاحات في مسابقات الرسم في المدن الإيطالية. ‏
هذا التفوق جعله يدافع بشراسة عن أسلوبه ويصطدم مع أستاذه لينتقل من قسم الرسم إلى الزخرفة لكنه تابع في الرسم وشارك في بينالي البندقية عام (1960) وبعد التخرج عام (1961) عاد إلى حلب مدرّساً للفنون ثم معيداً في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق.

من أجل القضية ‏
في هذه الفترة الزمنية الستينيات عاش الوطن العربي حراكاً سياسياً واجتماعياً تجلّى في المدّ القومي، وتبنّي قضية تحرير فلسطين كأبرز القضايا، وقد تفاعل كيالي مع هذه الأجواء وعاش تفاصيلها المشحونة بالتوتر ونتج عن ذلك عام 1966معرضه المؤلف من ثلاثين لوحة مرسومة بالفحم موضوعها هو عنوانها (من أجل القضية) انتقل به إلى كل المحافظات السورية، لكن بدل أن تسلط الأضواء على ما حملته لوحاته من قيم فنية وفكرية، تناولت الصحافة منبته الاجتماعي الارستقراطي معتبرة تعاطفه وتأثره بما يجري من أحداث مزيّفاً، وتحوله باتجاه قضايا الوطن الكبرى بعد أن كان يرسم البورتريهات الجميلة ليشتريها الأثرياء مزوّراً وسطحياً، والأغلب أن هذه الحملة الشعواء كان لغيرة زملاء المهنة (الفنانين) يدٌ فيها!.

نكسة حزيران وتباشير عام 1973 ‏
كان من الممكن أن يتحمل كيالي ما يمكن تسميته بالصدمة النفسية لكن نكسة حزيران في حرب 1967 جعلت ردّة فعله القوية والمتفاعلة مع الأحداث بعمق فيها شيء من غرابة إذ أحرق كامل معرضه ومع أرشيفه الصحفي ودخل بعدئذ في أزمة نفسية أدخلته مشفى الأمراض العقلية لمدة عام، عاد بعدها إلى حلب وتعافى ببطء ثم استردَّ كامل عافيته مع تباشير عام1973 ورسم بين 1973و1978 أشهر لوحاته التي نعرفُ منها (13) لوحة في المتحف الوطني بدمشق. ‏
وقد توّج معافاته بمعرض في دمشق (1974) قوبل بحفاوة وإعجاب نقدي وإعلامي وشعبي كبير، وقد بلغ ذروة النشاط والنجاح فأقام أكثر من معرض في إيطاليا وقرر العيش فيها عام 1977 لكنه بعد أشهرٍ من الإقامة اصطدم بالتحوّل السريع للمجتمع الإيطالي ولكل مظاهر الحياة، حتى الفن، كذلك غيَّب السفر أو الموت أغلب أصدقائه فعاد لسورية، وقد مال إلى العزلة إذ أيضاً غيبت أصدقاءه مشاغل الحياة وتزامن ذلك مع وفاة والده ومديرة الصالة الفنية التي يعرض عندها في حلب، إضافة إلى نمط حياته الصعب حيث كان ينتقل من مرسم لآخر.

بين الحضور المشع والاحتراق
كان يتغلب على إشكالاته لا سيما بعد أزمته الصحية عام 1967 بالحبوب المهدئة التي كانت سبباً في وفاته فتحت تأثيرها احترق هو ومرسمه وغادر حياته الممتدة بين عامي (1943 ـ 1978) التي ميزته في البداية كشخص وسيم أنيق ابن طبقة ثرية رقيق المشاعر مع شيء من نزق ومزاجية لا تخلو من طرافة، جعلته هذه الصفات مع موهبته اللافتة ذا كريزما خاصة أخذت منحى آخر مختلفاً وصف بالجنون فترة مرضه، فمجتمعنا لا ينظر للاضطرابات النفسية والروحية بعين العدل على أنها مرض يمكن علاجه، بل مادة للتندُّر والسخرية، ليظَّل الحديث عن حياة وفن مبدع مثل لؤي كيالي في حالة جدل لم ينته.‏


محاضرة عن الفنان لؤي كيالي
صوت الشعب- العدد 207 (1701) 12 - 18 آذار 2009
قدم الفنان التشكيلي والناقد سعد القاسم محاضرة تحت عنوان: "بين الفن والجنون" تناولت سيرة حياة الفنان الراحل لؤي كيالي، وتجربته الفنية القصيرة والحافلة بالجدل. توقف الناقد التشكيلي عند أبرز المحطات في رحلة كيالي التشكيلية والأثر الذي تركته تجربته في الحركة التشكيلية السورية والعربية.
وجاءت المحاضرة في سياق فعالية ينظمها المركز الثقافي الفرنسي حول الفن وحياة الفنانين، وجرى خلالها عرض مجموعة مختارة من الأفلام السينمائية عن بعض الفنانين شملت الفنان الراحل فاتح المدرس والفنان جبر علوان والفنان الهولندي الشهير فان كوخ.
وخصص القاسم الجزء الأول من المحاضرة للحديث عن بعض الفنانين العالميين الذين اتهموا بالجنون أو بسلوكيات غريبة في مجتمعهم، وانعكاس ذلك على رسوماتهم وموضوعات لوحاتهم مثل فان كوخ وسلفادور دالي و فراشيسكو غويا.. وقال إن العلاقة بين الفن والجنون هي علاقة وثيقة في الموروث الشعبي، لكن تاريخ الفن لا يوافق على هذه الرؤية.
ثم انتقل المحاضر لسرد قصة الفنان كيالي الذي تكشفت موهبته الفنية في سن العاشرة في مدينته حلب.. وقال.. إن كيالي كان في تلك الفترة مغرماً برسم الوجوه بقلم الرصاص، وحقق حضوراً جيداً قبل انتسابه إلى كلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1954 حيث اشترك في معرض الجامعة عام 1955 وفاز فيه بالجائزة الثانية.
بعد ذلك استعرض جوانب من فترة دراسة كيالي في ايطاليا ومشاركاته في المعارض هناك، والإعجاب الذي لقيته أعماله.. بين الوسط الفني الايطالي والأساتذة، حيث كان كيالي يميل إلى رسم الوجوه الجميلة بأسلوب واقعي تعبيري يتسم بتكتيك جديد جذب إليه الأنظار.

وقال القاسم ..بعد سنوات من عودة كيالي من ايطاليا إلى حلب بدأت موضوعاته تأخذ مساراً آخر لها علاقة بمجتمع آخر غير ذلك الوسط البرجوازي الذي يرسم له ويعيش في بهرجاته، حيث راح يرسم الأطفال المشردين في الشوارع، ووجوه المتعبين من خلف زجاج المقاهي التي كان يرتادها مع أصحابه.
وقد عاش كيالي أزمة نفسية عميقة بعد نكسة حزيران عام 1967.. راح يتخلص منها تدريجياً مطالع السبعينيات من القرن الماضي.. لكنه قضى في حادث عبثي إثر حريق شب في فراشه ناتج عن عقب سيكارة مشتعل.. وعرض القاسم خلال المحاضرة على شاشة كبيرة نماذج من لوحات كيالي خلال كل المراحل الفنية التي مر فيها.


مجلة الكفاح العربي
الخميس 9 نيسان 2009
تهامة الجندي
لؤي كيالي: الفن والجنون

قبل ثلاثين عاما رحل الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي، بعد حياة لم تدم أكثر من أربع وأربعين سنة، لكنها كانت حافلة بالجدل حول فنه وشخصه، فالفنان الذي بدأ حياة ابداعية هادئة تهتم أساساً برسم المواضيع التي يفضلها عشاق الفن الأثرياء، وجد نفسه قبيل أواخر الستينيات مستغرقاً في هموم الناس البسطاء وقضايا شعبه الكبيرة، ليسجل تحولاً حاداً في اتجاهه الفني مضحياً بجمهوره التقليدي، من دون أن يكسب من الطرف الآخر سوى الرفض المغلف بالتحفظ والتشكيك، مما قاده الى حالة نفسية شديدة القسوة، ظلّت السمة الملازمة له حتى رحيله.
هذا ما جاء في مقدمة الدعوة التي وجهها المركز الثقافي الفرنسي في دمشق لحضور واحدة من المحاضرات التي نظّمها أخيرا في سياق سلسلة من الأنشطة تحت عنوان «الفن والجنون»، وقد قدّم المحاضرة الفنان والناقد التشكيلي السوري سعد القاسم، وأرفقها بعدد وافر من الصور الضوئية التوضيحية للوحات لؤي كيالي، ومنذ البداية أكد القاسم على أنه على مر العصور كانت هناك محاولات كثيرة لربط الابداع بالحالة النفسية غير الطبيعية، من مثال المقولة الشعبية «الجنون فنون»، ورأى في هذا الربط فكرة مغلوطة تماما، فالتاريخ القريب والبعيد يحفل بعدد كبير من أسماء المبدعين غير المختلين، كما أن هناك الكثير من المختلين نفسيا غير مبدعين على الاطلاق.
بعد ذلك تناول المحاضر مجموعة من الفنانين التشكيليين العالميين ممن نُظر الى شخصهم بعين الريبة، وبدأ حديثه بفان غوغ، واعتبر أن حادثة قطعه لأذنه وتقديمها هدية لمحبوبته الغانية، استغرقت من التداول حتى يومنا هذا أكثر بكثير مما استغرقه فنه، وكأن الجنون هو المطلوب من هذا المبدع، مع العلم أن ثمة دراسة كُتبت في ذكرى مئة عام على رحيله جاء فيها: أنه كان مصابا بالتهاب في أذنه، سبّب له آلاما مبرحة دفعته الى قطعها، واستطرد المحاضر أنه ما من شك أن فان غوغ كان يعيش حالة من الانفعالات الشديدة، هي التي مهدت لضربات ريشته القوية التي ميزت أسلوبه في الفن، وهي المنطقة الأكثر أهمية التي تستدعي القراءة والكشف.
أيضا ذكر القاسم الفنان الكبير غويا، وأشار الى أن أعماله كانت تتصف بكثير من الأناقة والقوة، غير أنه كان هو الآخر يمر بحالات نفسية وهذيانات غريبة نتيجة تخوفه من محاكم التفتيش، مما جعله يهرب من اسبانيا، وقد انعكست مخاوفه برسم الكثير من الأشكال الغريبة ثم الأسطورية التي لا تتقاطع مع أسلوبه العام في التصوير.

فنان آخر ارتبط اسمه بالجنون هو سيلفادور دالي بسبب غرابة طباعه وفنه، غير أن غرابته كانت مفتعلة، فدالي بدأ فنانا واقعيا، ثم انتقل الى الانطباعية فالتجريب قبل السوريالية، وكانت في محاولاته الفنية الأخيرة رغبة حقيقية في الاختلاف عن السائد، وهو سر تميز أسلوبه.
بعد المرور على تلك الأسماء العالمية المهمة التي عُرفت بغرابة طبعها، انتقل القاسم الى تجربة محلية في ذات السياق، هي تجربة الفنان لؤي كيالي، حالة ابداعية استثنائية في التشكيل السوري والعربي، راحت ضحية من ضحايا سوء الفهم على المستويين الشخصي والفني، حيث تناول بداياته الفنية المبكرة، والمحطات الأساسية التي اجتازتها تجربته بالتزامن مع أزماته النفسية التي تسبب بها النقد المسف وغير المنصف.
حول البدايات ذكر المحاضر أن لؤي كيالي ولد في حلب في العام 1934، وبدأت ميوله الفنية بالظهور قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره، وفي العام 1952 أقام معرضه الأول، ثم انتسب الى كلية الحقوق بدمشق، وشارك في المعرض الجامعي السنوي وحصد جائزته الثانية، ثم أُوفد لدراسة الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة بروما/إيطاليا في العام 1956، وفي سنته الأولى اصطدم مع أستاذه، مما اضطره الى الانتقال الى قسم الزخرفة. أثناء دراسته في روما تفجرت موهبة لؤي، وشارك في العديد من المسابقات والمعارض، وحصد عدداً من الجوائز، وأقام اثنين من معارضه الفردية قبل أن يتخرج في العام 1961، ويعود الى سوريا، لتظل ايطاليا بالنسبة اليه المكان الحميم الذي كان يقيم به المعارض، ويرتبط بعلاقات صداقة واسعة، وكانت لوحاته في تلك الفترة تميل الى تصوير الوجوه النسائية الجميلة.
في السنوات الخمس الأولى على عودته من ايطاليا حقق لؤي نجاحات كبيرة في الوسط التشكيلي بدمشق، وكان ذلك الفنان الممشوق القوام، الوسيم، الشهير والمحاط بالمعجبات، وكان ذلك مصدر حسد وغيرة من بعض الزملاء والنقاد الذين حاولوا النيل منه بالتجريح بفنه، وهنا بدأت أزمته النفسية بالظهور، فرغم أن الكيالي منذ البداية كان يهتم بالفقراء ويرسم الأطفال المشردين ويقدمهم بشكل خاص، فقد اتهمه النقاد أنه فنان برجوازي، وبعد أن انتقل الى تصوير القضايا الوطنية اعتبروه انتهازيا.
ففي العام 1966 بدأ لؤي يتأثر بأفكار الفن الملتزم، وفي نيسان (ابريل) 1967 أقام معرضا بعنوان «في سبيل القضية» ضمّ ثلاثين لوحة نُفذّت بالفحم، صوّر فيه مأساة الشعب الفلسطيني، وطاف به المدن السورية، وهو الذي اشتهر بألوانه الزاهية، وموضوعاته الأنيقة، لكن النقاد اتهموا معرضه بعدم الصدق، واتهموا موقفه بالانتهازية، وأثناء طواف المعرض وقعت هزيمة حزيران، فاشتدت أزمة لؤي النفسية، وأحرق لوحاته، وتم ارساله للعلاج في لبنان.
في مطلع السبعينيات تعافى لؤي من أزمته النفسية، واستقر في حلب، وأوجد حياة جديدة، واستعاد فنه، ومنذ العام 1973 لجأ الى أسلوب الرسم على الخشب المضغوط بألوان شفافة، وبدأ يهتم بالمساحات الواسعة، وعمالة الأطفال، واعتُبرت السنوات ما بين 1973و1976 بمثابة الفترة الذهبية في تجربة لؤي، كان يظلل اللوحة، ثم يكسوها بالألوان الشفافة، ولم يكن يهتم بالتفاصيل ماعدا الشعر والوجه، وكان في ذلك احدى علامات أسلوبه المميز.
انفضت الشلة التي كان ينتمي اليها لؤي، بعضهم هاجر أو انتقل للعمل في مكان آخر، فبدأ يشعر بالوحدة والعزلة من جديد، ما دفعه الى التفكير بالسفر، فباع بيته في حلب، وغادر الى ايطاليا على أمل أن يلتقي بأصدقائه القدامى، ويزاول الفن في فضاء نظيف، لكنه فوجئ بأن الحياة تغيرت هناك، فأصيب بخيبة كبيرة، وعاد الى سوريا بعد عام، وأخذ يتعاطى الحبوب المهدئة، وفي احدى الليالي بينما كان مخدرا سقطت سيجارته من يده، فاحترق هو ومنزله، وبعد ثلاثة أشهر من الحادث توفي في السادس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) في العام 1978.
وبالاستناد الى المعلومات الواردة في سياق المحاضرة، لم تكن سيرة لؤي كيالي بالسيرة العادية، فقد جاء في زمن التأسيس والصراعات التناحرية، وعاش على شفير المتناقضات حاملا الحلم بفضاء أرحب في مخيلته، والحزن في قلبه، انها سيرة مبدع حقيقي، ربما جاء قبل أوانه، فاستحق فضل الريادة في الكثير من الجوانب، لكنه بالمقابل تعرض الى كل صنوف الأذى النفسي، شأنه في ذلك شأن كل السابقين لعصرهم.