International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي أصابع من ذهب

Article Title : لؤي كيالي أصابع من ذهب
Article Author : أنور محمد
Source : صحيفة أوان الكويتية
Publish Date : 2008-12-29


لؤي كيالي أصابع من ذهب
أنور محمد

الاثنين, 29 ديسمبر 2008
أنور محمد
ما قيمة الأفكار مهما كانت ثمينة وعظيمة طالما هي فوق؛ في الرأس؟ هل كنا نسمعُ أو نعرف «دافنشي» لولا أنَّه رسم هذه الأفكار، أنزلها من برجها إلى ملعبنا؟ كذلك عرفنا لؤي كيالي.. الذي تمر الآن الذكرى الثلاثون لرحيله، حيث وافته المنية يوم 26 من هذا الشهر عام 1978. أنا أستغرب كيف لأصابع مثل أصابع لؤي، وعلى هذا القدر من الحساسية والذكاء والشاعرية ولا تثمّن، ولا تكون رأسمالاً، جزءاً من رأسمالنا الثقافي في المصرف القومي للثقافة العربية، لماذا لا تعتز الثقافة العربية به، كذلك بجواد سليم ومحمود مختار وسامي محمد وفاتح المدرس ووحيد استانبولي ووجيه نحلة وخالد الجادر ورفيق شرف وآخرين؟.
أوروبا (صرعتنا) بسيزان وبفان غوغ ورامبرانت وبيكاسو وأنجلو ورافائيل!! وكأنَّ أصابع أيديهم متميِّزة عن أصابع أيدي فنانينا، أصابعهم تشتغل بالتحسس وعلى رأسها، رأس كل إصبع (رادارات) ترى وتسمع وتشم وتتذوَّق وتتلمَّس ومن ثمَّ ترسم؟ بينما أصابعنا- أصابع فنانينا تمسك بالفرشاة وكالإنسان الآلي تدهّن مساحة اللوحة!!!؟ ليس عدلاً هذا. فأصابع فنانينا أيضاً ترسم المستقبل، ترسم الحلم، ترسم الجمالَ، ترسم العبقرية. فالإبداع شرط حياة الإنسان، وبدونها ومهما كانت قوميتها لا يمكن أن نمارس إنسانيتنا؛ وإلا تحوَّلنا إلى وحوش. العبقرية تعقلن الحياة، تروض الوحوش الكاسرة التي في داخلنا كي نتآلف، فالكيالي مثله مثل فان غوغ، أنا أراه عربياً ولأنَّه ابن قوميتي أهم من غوغ، هذا حقي مثلما هو حق الأوروبي في أن يعتبر غوغ أهم من الكيالي، بل قد يتساءل الأوروبي، الذي اشترى لوحة الكيالي في مزاد بمدينة لندن بما قيمته بالليرات السورية مليونا ليرة، من يكون هذا الكيالي؟؟ هذا الإحساس بالتميز وحتى التفوُّق حقٌّ إنساني، والسؤال في مثل هذه الحالة من يكون الكيالي؟ ومن يكون فان غوغ؟… هو سؤال مشروع، لأنَّه سؤال عن أهمية العبقرية، أهمية الأصابع، سؤال يسعى للكشف عن قيمة العقل العبقري عندهم وكذلك عندنا، لأنَّه يُريد أن يتوّج؟ يضع تاجاً، إكليلاً من الغار على رأس حدس هذا الفنان وكذلك ذاك، وليس على رأس غريزته، الفنان العبقري لا يرسم بغرائزه، يرسم بحدسه. لأنَّه إذا انجرف الفنان وراء غرائزه فستكون علاقته بنا علاقة خطرة. هو ينوي تفجير ألغامه؛ هو يزرع ألغاماً في طريقنا حتى نموت، وبذلك يموت الجمهورُ ، الجماهيرُ التي كانت ستعطيه مصداقيته، تعطيه حياتها كي تعيش أعماله فيما لو رسم بحدسه، الرسم بالحدس، أو النحت بالحدس، عمل أساسه عقلي ويمشي إلى العبقرية بخطى ثابتة، لهذا السبب، العباقرة قليلون، لؤي كان يضع، كان ينحّي الغرائز حين يرسم. يقول لؤي : «فعل القتل يمحو الجمال من على وجه الأرض حتى لو كانت الضحية مجرَّد طائر، فكيف إذا كانت إنساناً؟!» لؤي كان عنده إحساس بالعظمة، والعظمة ليست زينة وكذلك ليست صفة، هي فعل يجب أن نبنيه لأنَّه جزءٌ من شخصيتنا العربية يتمُّ تكسيره، يتمُّ إذلاله في رسوماته، في الفعل الذي يخبِّئه بداخلها، يحاول لؤي أن يشير إلى تلك الانتهاكات الوقحة والدنيئة لحرمة الإنسان بوصفه إنساناً. تأكيده المستمر على الحزن، الوجوه الإنسانية عنده دائماً في حالة حزن، سواء كانت لباعة أو لأنبياء (المسيح)، أو الأمهات، ففي المشهد التشكيلي السوري وحتى العربي لا نرى حالة تشبه حالة لؤي في نقائها و اصطفائيتها، لأنَّ لؤي كان متفرِّغاً لقضاياه، فلونه ذو وقع عنيف لأنَّه كان رسول قضاياه الإنسانية، ولأنَّه يحمِّله إشارات ودلالات دوماً هو يذهب إلى المأساة كنتيجة، وهذه المأساة-النتيجة في معظم أعماله نراها بكامل بهائها تنبض بأحاسيس الحياة؛ وهذا ما يحرِّك فينا الحسَّ والحدس معاً لتأمل، لقراءة المأساة فالحزين هنا هو الزهرة ومرمِّم الشباك والصياد وبائع العلكة والقارئ وعازف العود وبائع اليانصيب.
اللون يعبِّر عن مزاج الجسد، عن حالته النفسية، وعن ذهنية متقِّدة بأفكار، بأحاسيس من ذهب؛ وهذا ما أعطى للوحاته قيمة، سمواً فنيا..
لؤي كيالي ولأوَّل مرة في تاريخ الفن التشكيلي السوري يبعث الحياة، يؤسس مشروعاً حضاريا عربياً في الرسم، أساسه الإنسان وموضوعه (كرامته)، لؤي في رسمه يحاول تجسيد صراع الروح مع جسدها الذي تمتلكه، هو ملكية فردية لها. والرسم هو إخضاع رغبات الجسد للروح، الروح التي تريد أن تسمو بغرائزه، غرائز الجسد كي يحافظ على ألقه وقوته.. لمّا احترق لؤي، احترق من جراء (سيجارة) نام وهي في يده فأتت على بطنه وجهازه التناسلي ومات على إثرها كأنّها جاءت بمحض الصدفة، أو كانت قدراً. لكن لما قال لي عندما عدته في مشفى الجامعة بحلب: أنور أنا لم أنتحر- كان برأيي يدفع عن جسده الآثام التي ارتكبها بحقه، كأنَّ روحه، كأنَّه يريد أن يعاقب نفسه. بالتأكيد هو لم يتهرَّب، لم يهرب من المدنَّس إلى المقدَّس.. لقد وضع حداً لشطط غرائزه على حساب الفن، الفن الذي انشغل طوال حياته به، هو أخذ قدراً بسيطاً من الفن لكنَّه أعطاناً قدراً أكبر من الحرية في تلمس قضايا وطنية وقومية وإنسانية في أعماله.. لوحته «ثم ماذا» في (معرض في سبيل القضية) كمثالين يدلان على إنَّه فنان نخبوي، لهذا كان في رسمه للجسد- جسد الرجل والمرأة- كان يعطي للروح قدراً أكبر في قيادة هذا الجسد لدرجة تقديسها، لم نر مجوناً في لوحاته، على العكس كان يُرينا المرأة في أقصى درجات الحشمة والعفة.
لؤي كيالي كان يعتبر نفسه بطلاً، ولأنَّ البطل قدوة، ومهما أذنب فإنَّ العفوَ سابق- لأنَّه لا يزال يسترق الدهشة والإعجاب منا- الإعجاب بالقوَّة، قوَّته. كان يرى نفسه قوياً وقدوة، لذا دافع حتى موته عن هذه القوَّة.