International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي في ذكرى رحيله:نزعة بطولية تحاور الواقع وتحاول تجميله

Article Title : لؤي كيالي في ذكرى رحيله:نزعة بطولية تحاور الواقع وتحاول تجميله
Article Author : نديم الوزة
Source : موقع الفنان نديم الوزة
Publish Date : 2007-01-01


لؤي كيالي في ذكرى رحيله:

نزعة بطولية تحاور الواقع وتحاول تجميله
بقلم نديم الوزه

ربما من أكثر الأشياء إثارة في حياة الفنان لؤي كيالي أنها تقدم نموذجاً عربياً لما كان يعيشه أبطال الحداثة الأوائل في أوروبة القرن التاسع عشر، مع تأكيد مبدئي على التمايز الحضاري في الذاكرة البصرية والحاضن المعرفي بين لؤي كيالي وفنانين مثل فان كوخ و غوغان وغيرهما، كيلا يتوهم المرء أشياء سوف تعيقه عملياً عن الجهد المتواصل ليبدع حقيقة ما يصبو إليه.. دور البطولة هذا، وكما هو معلوم، ارتبط لدى لؤي كيالي بتحولات مصيرية كانت تعيشها سورية عبر صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي وربما أذكر هذه العلاقة بين الخاص والعام لكي أتجاوزها باعتبار أنها علاقة عامة، أو مشتركة بين معظم الفنانين تقريباً، لولا أن تمايزاً مرهفاً يقدمه لؤي ويمكن ملاحظته بهذا الانشراح الذاتي الذي تجلى بعد حرب تشرين ليلتفت من ثم إلى عمله الأساس كمبدع له هواجسه الفنية والإنسانية التي لم تقلل منها انشغالاته الوطنية إذ لم تشحنها بطاقة وجدانية تجعله ملازماً بهمومه للناس المحيطين به.. من هنا قد يبدو واضحاً أن تمرد لؤي كيالي لم يكن نزوعاً استعراضياً وتقليدياً لفناني الغرب كما هو حال بعض فنانينا القدامى والجدد، وإنما هو نابع أصلاً من رؤيته للحياة، ولاختياراته للدور الذي على الفنان أن يلعبه في مجتمع يحاول النهوض من ظلامية قرون من الاستبداد والجهل، وربما يكون هذا التناقض بين الرغبة في التغيير والواقع المحبط الذي يعيشه أحد أكثر المعضلات التي عاشها هذا الفنان، والتي انعكست لحسن الحظ ايجابياً على عمله، وان كان المرء يأسف لأنها كانت سبباً في رحيله المبكر..

لقد حاول لؤي كيالي، وعلى خلاف أسلافه ومجايليه، أن يقوم بدور تأصيلي للفن التشكيلي، لا يلتفت كثيراً إلى المنجز الغربي إلا من خلال علاقته بالوعي الذي أنتجه، لذلك لم يكن يبدو عليه أنه مستعجل في حرق المراحل، مع أنه مات حرقاً بما يشكل دلالة على هذا الضغط الذي كان يعيشه بين رؤاه الفنية وحاجة المجتمع ومقدرته على الاستيعاب والتمثل.. هذا التأصيل الذي يبدو الآن نادراً، والذي غالباً ما يتاجر به، هو ما دفع كيالي، ربما، للاتجاه الواقعي، على اعتبار أن موروثاً ضحلاً من التشخيص هو غير كاف لفعل ثقافي ذهني يكون منتوجه التجريد ومقارباته. ولأنه كان يعي تماماً طبيعة الأشياء فلا يجعل من الموروث الزخرفي انزياحاً تجريدياً على غير ما هو الأمر في الواقع اتجه إلى دراسة الزخرفة بما سيمكنه من تأصيل آخر سوف يلقى أثره في هذا الاتجاه إلى تقنية جديدة ربما قاربت الزخرفة ولكن بشكل خفي تتيحه أسطحة الخشب المضغوط بما يشبه عملية التنقيط ولكن متفوقة عليها بكونها من طبيعية المواد وعفويتها. غير أن هذا كله قد لا يكون كافياً لاعتبار عمل لؤي كيالي جمالياً، ولاسيما أن الرؤية الواقعية أخذت بالانحسار تدريجياً، وربما يكون الوعي بذلك أحد الحوافز المعقدة لفعل شيء ما... صحيح أن المتلقي قد يجد نفسه أمام لوحات تحاور الواقع وتستعيده ولكن هذه المحاورة في حد ذاتها ميزة قلما تلتقطها العين في أعمال واقعية أخرى. بمعنى آخر إن الواقع لدى لؤي كيالي ليس موضوعاً تقليدياً يحاول نقله وكفى، بل ثمة أسى واسترخاء، ولاسيما في أعماله الأخيرة، شيء يستجيب بشكل واضح لمرضه من جهة، ولإحباطه من دورات الزمن المريض الذي كان يعايشه من جهة أخرى. لكن هل يكفي هذا الكلام لفهم تركيزه على الخطوط المنحنية في أهم أعماله؟

في هذه الفترة الأخيرة من حياته أخذت تتجلى هذه النزعة البطولية الخالصة للإبداع بما يعزز رؤيته الدائمة للدور الحضاري الذي ينبغي تفعيله ولكن التعب النفسي على الأقل ربما أخذ يلقي بظلاله فبدلاً من العنف لدى فان كوخ ركن لؤي إلى نوع من الاحتفاء، احتفاء هو قريب من عمل غوغان في مرحلته الأفريقية أكثر من أي فنان آخر . لذلك وعلى النقيض ممن يرى غياباً للبيئة في أعماله، أرى أنها البعد الأوفر حضوراً في تجلياته اللونية وفي تعبيرات شخوصه، إذ ثمة دائماً هذه المسحة الصحراوية حتى على بعض الزهور التي يرسمها، فالخطوط حتى هنا تميل أيضاً إلى الانحناء والانطواء.. هذه الحالة، الاحتفالية ربما، هي أقصى ما كان للؤي كيالي أن يقدمه. فالفن، على ما يبدو، لا يستطيع أن يغير الواقع في يوم وليلة، لذلك كانت الخيبات هي بالمرصاد لمن يفكر على هذا النحو. إذن ربما ينبغي أن نغير نظرتنا إلى الواقع، وهذا ما فعله في بعض لوحاته أقصد حين حاول الالتفات إلى تجميل الناس البسطاء كنوع من التعاطف غير المجدي على ما أرى!