International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> الفنان لؤي كيالي في مدونات الحلم الطبقي

Article Title : الفنان لؤي كيالي في مدونات الحلم الطبقي
Article Author : عبدالله أبو راشد
Source : جريدة النور
Publish Date : 2008-07-16


دمشق في عيون الفنانين التشكيليين السوريين (14): الفنان لؤي كيالي في مدونات الحلم الطبقي
عبدالله أبو راشد
النور- 350 (16/7/2008)
الفنان التشكيلي السوري لؤي كيالي ظاهرة فنية وإنسانية، لها وزنها في الحركة التشكيلية السورية المعاصرة، وأحد أعمدة الحداثة التعبيرية. لم تسعفه حياته القصيرة أن يتمم مشروعه وحلمه الفني كما أراد واشتهى، وقطعه الموت المُبكر في حلة مأسوية، تاركاً إرثاً فنياً منحازاً جملة وتفصيلاً للفقراء،

ومُعبراً بأمانة وصف وفكرة، وتسجيل دقيق ليوميات معيشة ومأخوذة من واقع معاناة الطبقات الاجتماعية المسحوقة، المتناسلة من حواف المدن، طبقات حالمة وهائمة على صنائعها وكسب قوت يومها وأرزاقها، وأخرى حالمة ومأزومة وغارقة في وحل المدن المطحونة بمفارقات الزمن وأيديولوجيات متناحرة تقليدية، وثورية تحررية مُعبرة عن الفئات الاجتماعية الوسطى وناسها الحالمين بموقع ما تحت شمس الوطن والمواطنة.
هو من مواليد مدينة حلب عام 1934، درس في بداية حياته بكلية الحقوق بجامعة دمشق عام 1954، بسبب عدم وجود كلية خاصة بالفنون في ذلك الوقت. ونشاطه الفني في سياق لجان العمل الطلابية أفسح له المجال للإيفاد ببعثة دراسية للفنون في مدينة روما الإيطالية عام 1957، وتخرج في أكاديمية الفنون بروما عام 1961، ليعود إلى الوطن والإقامة في مدينة دمشق والعمل كمعلم للتربية الفنية في مدارس دمشق الثانوية، ثم الانتقال للتدريس في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق. أقام في فترة دراسته الأكاديمية مجموعة من المعارض الفردية في المدن الإيطالية، وسواها في مدينة دمشق وحلب. ويُعد معرضه في سبيل القضية بصالة الشعب للفنون الجميلة عقب هزيمة حزيران 1967، نقطة تحول بارزة في حياته أثرت على سلوكه ومناطق تفكيره وحساسيته كفنان وإنسان، لما تعرض له من هجوم أقرانه وتقريعهم له في الصحافة المكتوبة وسواها، دفعه لاعتزال الفن والناس كمقدمة لانهياره واحتراقه في منزله بمدينة حلب. ولم تسعفه محاولات نقله بطائرة خاصة إلى مستشفى حرستا العسكري في إنقاذ حياته، ليدون يوم 26/6/1987 حداً فاصلاً لحياته ونهاية لمأساته في رحلة الموت العابر.
لوحاته عن مدينة دمشق القديمة، لا تعير الاهتمام كثيراً بشكلانية الجدران والأوابد والحواري والأسواق كما عزف لحنها البصري الكثيرين، وإنما تناولها كحزمة بصرية واحدة. الإنسان المسحوق في هيئته الشكلية وحركاته ومهنه المتعددة هي المجال الحيوي في إبراز جماليات هذه المدينة على طريقته الفكرية والبصرية والتقنية الخاصة والمتفردة أيضاً، والمنسجمة ومساحة رؤاه الأيديولوجية. لوحات مشغولة بالناس البسطاء الذين يلتقطون قوت يومهم وأرزاقهم في مهن متنوعة الخصائص والمسميات، تلبس شخوصها وأماكنها مساحة واسعة من البيان البصري في مجمل دثاره الفني ومساحة ابتكاره، يصوغها الفنان في سياق سلسلة بصرية متكاملة من الترجمات الحسيّة الذاتية لفنان عرف مواضع وجوده وانتمائه وانحيازه لطبقته الوسطى، المعنية باستنهاض الطبقات العاملة وتضمينها في كثير من لوحاته. لوحات مزحومة بهموم الناس الطيبين الذين عاشوا داخل أسوار مدن قديمة احتضنت أوجاعهم، سواء أكانت في مدينة حلب أم في دمشق على وجه الخصوص.
لوحات عن دمشق غير متكلفة،سهلة القراءة والمحددات الشكلية والفكرية بعين قارئها، محافظة على أصول الدراسة الأكاديمية، وفية لمواضيعها وفكرتها التعبيرية الناهلة من حداثة تصويرية تفيض بالمساحات اللونية الممتدة بفرشٍ عريضة، وملونات لا تخرج قط عن دائرة الألوان الرئيسة الخمسة وتدريجاتها الاشتقاقية. تصوغها يد الفنان وبصيرته الجمالية في حِلة شكلية متناغمة، لا تعير قواعد المنظور النمطية والصارمة جلّ اهتمامها، بل تلوح بتجليات المسطح الهندسي (الطول والعرض) ومظاهر الإيحاء البصري لبعد ثالث منظور، لتشكل في نهاية المطاف فسحة بصرية كبيرة لنسج تقاسم شكلية من مشتقات لونية ولحمة تقنية شكلية متوحدة الرؤى. مدينة دمشق أخذت حيز الشخوص في سياق نماذج مُختارة من سراب المدينة المحملة بالمعاناة، ومكحلة بمتواليات السطوح والجدران الدمشقية المتلاصقة بحنو الحالة الوصفية والرمزية البصرية التي يرصف الفنان في ظلالها مقاماته اللونية والخطية.
شخوص حالمة في أوضاع شكلية نموذجية من نوع "بورتريه"، وبيوت الطين والخشب المرصعة بالأبواب والنوافذ وفتحات التهوية، يدون تفاصيلها واختيار مفرداتها التشكيلية في معالجة تقنية مُبسطة متوازنة الخطوط والملونات، أمينة لتعبيريتها الواقعية الملخصة لطريقته في الرسم والتصوير والتفكير، واستنهاض صور مُستعارة من دورة الحياة اليومية.