International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> دراسة في فن لؤي كيالي تجربة متميزة في الفن السوري انتهت بفاجعة

Article Title : دراسة في فن لؤي كيالي تجربة متميزة في الفن السوري انتهت بفاجعة
Article Author : خليل صفية
Source : صوت فلسطين العدد 148
Publish Date : 1980-05-00


دراسة في فن لؤي كيالي
تجربة متميزة في الفن السوري انتهت بفاجعة خليل صفية
مقدمه:/1/ لقد مرت سنة كاملة على رحيل الفنان لؤي كيالي أحد رواد الواقعة التعبيرية في الفن التشكيلي السوري المعاصر .. و عندما نتحدث عن فن لؤي بمناسبة الذكرى الأولى لوفاته فإننا نتحدث عن تجربة رائدة عاش صاحبها مأساة حقيقية انتهت باحتراقه ثم رحيله .. مأساة هزت كل من عرف لؤي من فنانين و أدباء و أصدقاء .. فقد رحل و هو في ذروة العطاء .. رحل بعد أن عاش بعد أن عاش احتراقا داخليا لعدة سنوات .. إلا أنه ترك تجربة فنية متميزة .. و كرس اتجاها واقعيا في الفن السوري .. بدأه في الستينات – مرحلة المد التجريدي- ثم أصبح الاتجاه الأكثر حضورا و شمولا على يد مجموعة من الفنانين .. كان الكيالي رائدهم بتقنيته الخطية الكبيرة و برؤيته المتطورة و بموقفه الملتزم بالتعبير عن الفقراء عبر موضوعات مستمدة من حياة الصيادين و العمال و صغار الكسبة .. و سنحاول في هذا البحث الإحاطة بإيجاز بتجربته منذ عودته من روما عام 1961 و إقامته للمعرض الأول في صالة الفن الحديث بدمشق و حتى وفاته ..
/2/ تجربة لؤي في روما
لقد عرف لؤي كيالي في بداية الستينات كرسام بورتريه من الدرجة الأولى ، فرسم الكثير من الصور الشخصية " بورتريهات " و لم يحسد على تلك البداية ، و الشيء المؤكد أن تلك البداية الواقعية في رسم الوجوه لم تكن مجرد صور شخصية – فقط – كما لم تكن مجرد مهارة تقنية خطية في صياغة الوجوه ، لماذا ؟ لأن لؤي كان يضع فيها شيئا ذاتيا ، ملامح من ذاته الحزينة أشياء لا وجود لها في هذه الوجوه – السيدات من دمشق – و لأن المسألة الاجتماعية لم تكن واضحة أو على الأقل لم تكن أساسية في بداياته فقد أراد أن يحقق شيئا على صعيد البورتريه ، و قد نجح في ذلك ، و تسابقت إليه السيدات يرسمهن و يضع حزنه الذاتي في ملامحهن .. كان يرسم الوجه الجميل و يضفي عليه مسحة من حزن دفين ، حيث كان يقطن في مرسمه الكائن في حي – العفيف – بدمشق ، و إذا كنا لا نعرف شيئا عن مرحلته الأولى في روما .. و بداياته الأولى في دمشق اثر تخرجه ، فهذا لا يعني أنه كان أقل حضورا من الفنانين الذين عاصروه في تلك الفترة .. و حتى نعطي صورة ما عن تلك المرحلة قصدنا الفنان فاتح المدرس الذي عايشه في روما خلال دراسته و في دمشق اثر عودته حيث كان يقيم في مرسم قريب من مرسمه .. و عن تلك الفترة يحدثنا الفنان فاتح المدرس :- كان ذلك عام 1959 عندما أقام لؤي – معرضه في روما .. و قد تمايزت لوحاته بالصفاء في التعبير و الدقة في المعالجة و المهارة في تقنية الخط الأكاديمي .. و قد نجح المعرض نجاحا كبيرا .. و كان يعيش وحيدا و بين الفترة و الأخرى يلتقي في مرسمه بعض الفنانين العرب في حوار فني حول الفن بشكل عام و أعماله بشكل خاص .
إلا أن اللقاء المهم بيني و بينه كان عندما تحاورنا في نهاية السنة الأولى في الأكاديمية – أكاديمية الفنون الجميلة في روما – فقد أراد لؤي أن يترك قسم التصوير عند البرفسور جنتلليني و يلتحق بقسم الديكور المسرحي .. و أذكر أنه قال بنبرة جدية كما هو في أكثر حالاته :- التسمية لا تهم أنني رسام و سأظل أرسم ، أما الديكور فهو مهنة أخرى – و هكذا سار على طريقه يدرس الديكور في الأكاديمية و يمارس التصوير خارج الأكاديمية .. و عندما رشح لتمثيل القطر العربي السوري 1959 في بينال البندقية عرض 4 لوحات حملت في جوانبها نكهة
الشرق و سحره .. ثم تخرج و حصل على عدة جوائز و ميداليات ذهبية و " سمع الناس من جديد باسم سورية القديمة و كيف كانت تغزو روما " – هذه العبارة هي للأستاذ الفنان الإيطالي فرانكو جنتلليني .. الذي كان يحب لؤي و يحترمه و يقدر فنه ... ثم عاد لؤي إلى دمشق .. ليحمل في أعماقه عالما يختلف تماما عن عالمنا .. لقد أراد أن يحقق في فنه معادلة تتمثل في المأساة الداخلية التي يشعر بها و المأساة الخارجية في حياة الفقراء و خاصة الأطفال .. كان يرسم وجها حائرة ، غائرة العيون .. هي بين العذراء مريم و بين إنسان آخر غائر في ضميره .. و هذا يعني بأن الفنان ينضج من ذاته أولا و أخيرا ، و كل التقنيات التي استخدمها هي وسيلة لبلورة الصورة المأساوية التي لا يمكن لأحد أن يصورها .. إن الحزن الذي كان في أعماق لؤي لو قدر له أن يخرج إلى الضوء لأظلم هذا العالم و لشفي الفنان .. و كان إحساسه بعروبته ضخما بشكل لا يصدق .
/3/ البداية من دمشق من رسم الوجوه إلى التعبير عن الفقراء
ثم انتقل لؤي من رسم الوجوه و ما تحمله من حزن إلى رسم موضوعات نابعة من حياة الفقراء و العمال و الأطفال المشردين و صغار الكسبة و الباعة المتجولين .. حدث ذلك في النصف الأول من الستينات و يمكن أن نذكر بعض لوحات تلك المرحلة مثل " لوحة طفلان من أرواد و التي عرضت في معرض الخريف للعام 1962 و لوحة صياد من أرواد و لوحة ماسح الأحذية – عاملة الغسيل – طفولة مشردة – العتال – حلاق القرية – مصلح شباك الصيد - و غيرها .." في تلك المرحلة كبر الحزن في لوحاته . و قد قال حول سؤال طرح عليه : لماذا تتسم أعمالك الفنية بمسحة من الحزن و الألم .. ؟ - لأنني في أعماقي حزين ".. و إذا علمنا بأن الفن السوري المعاصر في تلك المرحلة – النصف الأول من الستينات – كان يتمحور حول صيغ تجريدية .. و كان لؤي من الفنانين القلائل الذين يمارسون الواقعية في الفن .. فهذا يعني أنه عاش مواجهة حقيقية مع أنصار التجريد في الفن .. و حول تلك المرحلة أو لنقل تلك المواجهة بين واقعية لؤي و تجريدية جيله الفني .. قال الناقد طارق الشريف : " لم يلق معرضه الترحيب الذي كان يرغب به ، بل هوجم بعنف حتى ممن كانوا يطالبونه بأن يلتزم لأنه كان يمثل صيغة مباشرة من التعبير الفني .. كما أنه لم يعد قادرا على العودة إلى رسم لوحات الوجوه التي رسمها في البداية ، لأنه اقتنع بأن تلك المرحلة كانت تمثل لعبة أدخل فيها كي يجر إلى فن بعيد عن القضايا القومية التي أصبح مرتبطا بالتعبير عنها و مؤمنا بمعالجتها ، فحاصره الفنانون التجريديون لأن
اتجاهه الفني لم يعد متفقا و المناهج التدريسية و التطور الذي قدموه و أصبح يوجه له النقد حتى من أقرب المقربين إليه . و التحول في تجربة لؤي إلى رسم فن يرتبط بالقضايا المصيرية جعله على مستوى من المسؤولية .. فخاض أكثر من معركة و اشتبك مع أكثر من شخص ."
أما لؤي كيالي فقد قال عن الواقعية و التجريد : من الصعب إعطاء رأيي بالتجريد في كلمات ، و مع ذلك لا شك أن الفن الحديث في مختلف مذاهبه و مدارسه قد أكد و لا زال يؤكد وجوده .. أما التجريد فرغم أنني أتذوق بعضه إلا أنني لا أقره كمذهب فني عظيم ". و قد وجه إليه السؤال التالي :
ألا تعتقد بأنك قد ترسم بمذهب تجريدي في المستقبل ؟ فأجاب : لا أعتقد .. و استمر لؤي في نهجه الواقعي حتى العام 1967 ، حيث أقام معرضه في سبيل القضية في صالة المركز الثقافي العربي بدمشق . و الذي يشكل تحولا في واقعية لؤي باتجاه التعبيرية أو لنقل الواقعية التعبيرية .
/4/ الواقعية التعبيرية و معرض في سبيل القضية
لقد اتسم هذا المعرض – معرض في سبيل القضية – بعدة خصائص أسلوبية و تقنية خطية ، فهو من جهة ارتبط بالتعبيرية كاتجاه فني ضمن رؤية واقعية و من جهة أخرى تكشف عن تطور في الخط – الرسم – فقد امتلك الفنان أقصى طاقات الخط التعبيرية و التشكيلية و ذهب بعض النقاد إلى اعتباره ذروة تطوره الخطي : " إذا أبحنا لأنفسنا أن نميز في تاريخ الحركة التشكيلية في سورية بين – الملونين – و الرسامين – ثم قارنا ، فلا شك في أننا نصل إلى النتيجة – التي ربما لا يختلف عليها – و هي أن الفنان لؤي كيالي هو قمة الرسم في هذا القطر ، لا منافس له و لا منازع ، و لقد تأكد منزع الفنان إلى الرسم عبر حياته الفنية ، منذ عاد إلينا من روما عام 1961 و حتى الآن و كانت ذروة هذا الاتجاه في معرضه في سبيل القضية عام 1967 – هذا الخط كأداة وحيدة في التعبير يملك في يد الفنان الكيالي قدرات كافية لاختزال ما في وجدانه من أحاسيس تجاه العالم " و حول هذا المعرض كتب لؤي كيالي في دليل معرضه " أسئلة تطرح و لا بد لها أن تطرح دائما ما دام هناك استعمار و ما دامت فلسطين العربية بيد الغاصبين الصهاينة ، و ما دامت الاسكندرون العربية تنادينا في الشمال. و ما دامت لنا حقوق مغتصبة من أرضنا العربية و ما دام هناك إنسان مستعمر و إنسان مستعمر ، و ما دام هناك إنسان مستغل و إنسان مستغل ،و من هنا منطلق الأبعاد الحقيقية للقضية و في اللحظة التي يتجسد فيها الوعي و الإدراك العميق لحقيقة المعركة المصيرية التي نخوضها مع الاستعمار أولا و بكل أشكاله و صوره من ثقافية و اجتماعية و اقتصادية و سياسية تتجسد فيها أبعاد القضية الحقيقية . و ليست القضية إلا تجسيدا لقضايا الجماهير الكادحة من شعبنا العربي و في اللحظة التي يدرك فيها فناننا هذه الأبعاد الحقيقية للقضية يدرك بأن الفن يجب أن يأخذ دورا طليعيا في خدمة القضية ، و من خلال هذا الإدراك يكون قد عرف جوهر الفن و معناه الحقيقي ".
لكن كيف حقق لؤي الترجمة التشكيلية لهذا الموقف في معرضه في سبيل القضية لقد حطم المظهر الخارجي البراق للبورتريهات التي كان يرسمها و دخل إلى أعماق الإنسان فرسم الرعب و الخوف و المأساة و التمزق .. رسم الإنسان في ذروة انفعالاته المأساوية .. و كل ذلك عبر لغة الخط و الرماديات و الإمكانات التعبيرية للأسود و الأبيض .. و اعتمد على التحوير و المبالغة و الحركة التعبيرية التي تكشف في النتيجة عن إنسان يعاني.. يتمزق .. يتألم .. و لم يرسم شخصا معينا بل رسم المأساة في صور إنسانية .. و في هذا المعرض وصل إلى ذروة انفعالاته و عواطفه ..
/5/ ثم تطورت تجربته في السبعينات باتجاه واقعية تحمل قدرا كبيرا من الشفافية و الشاعرية و الجمالية .. لكنه ظل حافظا مضامينه المأساوية .. و موضوعاته المستقاة من حياة البسطاء فعاد إلى معالجة موضوعاته القديمة بإطار جديد .. فظهرت ثانية موضوعات الصيد و أرواد و الباعة الصغار " بائع المسكة – بائع اليانصيب – ماسح الأحذية – من أرواد – صياد من أرواد – أمومة – طفلان من أرواد – الحمال الصغير : و غيرها " لكن برؤية جديدة .. فقد اختفت الحدة التعبيرية التي شهدناها في معرض – في سبيل القضية – لتظهر الشاعرية و الرقة في التعبير عن المأساة .. " إنه الجمال الحزين الذي يريح النفوس المتعبة " على حد تعبير أحد النقاد .. و كبرت شهرة لؤي و اتسعت أحزانه و امتدت إلى كل ما أنجز من لوحات .. حتى الزهور البيضاء رسمها ضمن أجواء مشبعة بالحزن و اتجهت المأساة – ثانية – إلى داخله .. فعاش حياة خاصة .. عاش سنواته الأخيرة احتراقا داخليا .. حتى كان احتراقه .. ثم رحيله .. و برحيله تصل المأساة حدود الفاجع .. و تقف مأساته كإنسان .
لكن تستمر في لوحاته التي ما تزال بيننا إلى الآن و التي أجمع النقاد على أنها تجربة رائدة و متميزة في الفن التشكيلي السوري المعاصر.
صوت فلسطين