International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> أعتذر من لؤي و أروي الحكاية

Article Title : أعتذر من لؤي و أروي الحكاية
Article Author : جان ألكسان
Source : جريدة البعث السورية
Publish Date : 1979-01-03


البعث 3/1/1979
أعتذر من لؤي و أروي الحكاية
بقلم جان الكسان

لا أكتب هذه الزاوية من قبيل واجب الكتابة عن فنان مثل لؤي كيالي ، رحل عن دنيانا هذه ، و لكنها حادثة لم يشأ الفنان أن أكتبها في حياته ، فرأيت أن أذكرها الآن ، لأنها - على بساطتها – ذات مدلول كبير في حياة هذا الفنان ، و لأنها نادرة في وسطنا الأدبي و الفني ..
كان ذلك خريف 1976 .. و كنت في حلب ، بمناسبة مهرجان فرق الهواة المسرحية .. ذهبت إلى مقهى القصر حيث كان فناننا الراحل يجلس صامتا و يحتسي قهوته ..
طلبت إلى لؤي أن أعقد معه حوارا لـ " البعث " حول أعماله الجديدة ..
ظل صامتا .. لم يتكلم .. حتى ظننت أنه لم يسمع ما قلته له .. و عندما أعدت الطلب ، نهض فجأة و قال :
- تعال معي ...
أوقف سيارة تكسي ، ركبناها ، و انطلقت بنا إلى أحد أحياء حلب البعيدة عن وسط المدينة ، و أظن أنه حي الأنصاري .. و ظننت أول الأمر أن للفنان مرسما في هذا الحي ..
بعد دورات حلزونية طويلة بين أزقة الحي ، و السائق يتتبع الإشارة من لؤي ، توقفنا أمام بيت شرقي متواضع، و قبل أن ندخل التفت لؤي و قال لي :
- هنا يسكن فنان كبير ذو تجربة متميزة ، أريدك أن تكتب عنها .. فهي جديرة بأن تسلط عليها الأضواء ..
عرفت بعد ذلك أن الفنان اسمه عبد الرحمن الموقت و أنه ينحت تماثيل من الكتل الحجرية الضخمة ، و أن تجربته متميزة بالفعل ، و أن الفنان ينتج في هذا البيت المتواضع ، و في مثل هذا البيت الشعبي بعيدا عن الأضواء ..
خرجنا من بيت عبد الرحمن الموقت لأفاجأ بأن سيارة التكسي لا تزال بانتظارنا – على الرغم من قضاء ساعة في المنزل – فقد خشي الفنان ألا نجد سيارة في هذه المنطقة البعيدة و هو لا يريد أن يتعبني بالسير على الأقدام أو في انتظار سيارة ..
ركبنا التكسي و قال لؤي للسائق : إلى حي السبيل .. فأدركت أنه سيأخذنا إلى مرسمه إذ كنت أعلم أنه اقتنى مرسما في حي السبيل قريبا من الحديقة المعروفة باسم هذا الحي ..
أمام الحديقة أوقف السيارة و صرف السائق بعد أن نقده عشرين ليرة ، ثم دعاني لدخول الحديقة ..
فقلت له ممازحا : هل تسكن الحديقة ؟.
قال : بل يسكنها وحيد اسطنبولي ...
و في الطريق إلى البيت المتواضع ، و هو أقرب إلى الكشك ، الذي يقف متواضعا في أحد أطراف الحديقة ، قال لي لؤي ، في هذا الكشك يعمل فنان كبير هو وحيد اسطنبولي .. إنه بدوره فنان كبير و صاحب تجربة متقدمة..
و زرنا وحيد اسطنبولي ، و وجدتني فعلا أمام فنان كبير و أمام تجربة فنية متميزة ، تماما كما وجدت نفسي أمام تجربة عبد الرحمن الموقت ..
خرجنا من الحديقة فقلت له : و الآن جاء دورك يا لؤي .. أين المرسم ..
أشار بيده إلى بناية قريبة و قال – في الطابق الأخير بهذه البناية ..
قلت : لنذهب إذن .. أريد أن أرى آخر أعمالك و أعقد معك حديثا . أليس عندك جديد ؟.
- بل عندي .. كنت هذا الصيف في الساحل .. و جثت من منطقة رأس البسيط بمجموعة كبيرة من "الاسكتشات "نفذت عددا منها .
- إذن فنحن على موعد مع مادة غنية ..
- و لكني أعطيتك مادة غنية هي تجربة عبد الرحمن و وحيد ..
- و لكن مهمتي تظل ناقصة .. و لن تكتمل إلا معك ..
هنا فكر قليلا و ظهرت على وجهه ملامح الجد : اسمع يا صديقي .. أنا مستعد لاستقبالك في مرسمي .. و مستعد لتقديم القهوة .. كما مستعد أن أعرض عليك آخر أعمالي ، و لكني لا أريد حديثا و لا ريبورتاجا .. لي رجاء وحيد عندك و هو أن تهتم بموضوع وحيد و موضوع عبد الرحمن .. إنني أشعر بالضيق و أنا أجد إخواننا العاملين في الإعلام لا يسلطون الأضواء في حلب إلا على فاتح المدرس و لؤي كيالي .. لدينا هنا في حلب جيل من الفنانين الأصلاء لهم تجارب فنية متقدمة .. فلماذا يهمل هؤلاء ؟ لماذا تقصرون بحقهم ؟.
إنني كفنان أقف مذهولا أمام تماثيل عبد الرحمن الموقت و لا أحد يعرف اسمه .. لماذا؟..
قلت : أعدك بأنني سأهتم بموضوع وحيد و عبد الرحمن ، و أشكرك لأنك كنت وساطتي في الحصول على هذين الموضوعين ، و لكن هذا لا يمنع من إجراء حوار معك ، و إلا فسأكون كمن عاد من " معسرته " بلا دبس .
و سألني لؤي عن هذا المثل .. فقلت : إنه مثل أخذته من والدتي .. كانت تحدثنا و نحن صغار عن قرية اسمها "معسرته" اشتهرت بتصنيع الدبس من العنب ، و كانت تنتج دبسا ممتازا ، فإذا زارها إنسان ، فيجب أن يحضر معه – حتما – سطلا من الدبس ، و لهذا فإن عودتي من حلب بلا حديث مع لؤي كيالي ، كمن زار "معسرته"
و لم يجلب معه سطل الدبس ...
ابتسم لؤي – رحمه الله – و قال : و لكنك أخذت معك سطلين من العسل ....