International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> التشكيلي السوري لؤي كيالي: الجمال الحزين الذي يريح النفوس المتعبة

Article Title : التشكيلي السوري لؤي كيالي: الجمال الحزين الذي يريح النفوس المتعبة
Article Author : عثمان عثمان
Source : البيان
Publish Date : 0000-00-00



اوفد ببعثة من قبل وزارة المعارف السورية لدراسة الرسم في اكاديمية الفنون الجميلة في روما وفي عام 1958 نال الجائزة الاولى لمسابقة سيسيليا المنظمة من قبل مركز العلاقات الايطالية العربية. في عام 1959 فاز بالميدالية الذهبية عن لوحته مراكي في مسابقة رافينا للأجانب، والتي اشتركت فيها 17 دولة ثم انتقل من قسم التصوير الزيتي الى قسم الزخرفة (الديكور) في اكاديمية روما.. واقام معرضه الشخصي الاول في صالة لافوتنانيللا.. واثار اهتمام النقاد لأول مرة. عام 1960 نال الجائزة الثالثة في مسابقة كوبيووا اشتركت فيها 21 دولة, والجائزة الثانية في مسابقة مدينة آلاتري, والجائزة الثالثة (الميدالية البرونزية) من محافظة روما اشترك في المسابقة 18 دولة ودعي الى اقامة معرضه الثاني من قبل محافظة روما حيث قامت شركة السينما الايطالية بأخذ شريط لهذا المعرض وعرض في جميع دور السينما بايطاليا (عرض في صالة قصر المعارض بروما).
ان عودة الفنان لؤي كيالي الى حلب عام 1971 بعد احالته الى التقاعد الصحي من عمله في كلية الفنون الجميلة بدمشق, كان له الدور الكبير في تنشيط الوسط الفني والتشكيلي تحديدا ولم تكن توجد في حلب سوق لتصريف الاعمال الفنية وتسويقها فكانت اقامة المعرض الفردي تشكل عبئا جسيما على الفنانين الذين لا يستطيعون تغطية نفقات معارضهم بما في ذلك طباعة دليل المعرض والاعلان وبطاقة الدعوة.. وقد ظهرت للفنان لؤي كيالي في تلك الفترة مجموعة من المعارض امتدت منذ عام 1972 ولغاية وفاته في عام 1978.
استطاع خلال فترة قصيرة ان يمتلك ناصية الخط في صياغة اللوحات الشخصية, التي بدأ بها منذ ان كان طفلا, وذلك حين رسم صورة جده وعمل على مطابقة الرسم بالواقع, وحين عاد ليقيم بدمشق محطته الاولى بعد ان انهى دراسته الفنية بروما (مطلع الستينيات) وقام بتوظيف مهاراته الخطية الواقعية (الرسم) عبر موضوعات الوجوه الشخصية, فصور سيدات اثرياء دمشق, وفتياتهم ثم اتجه الى عائلات الاجانب محققا شهرة واسعة كرسام لوحات شخصية يملك قدرة ليس فقط على تصوير الوجوه بل تجميلها ايضا. وعلى الرغم من اقبال الطبقة الميسورة على اقتناء اعمال الفنان لؤي كيالي ـ رولان خوري ـ وحيد مغاربة الا ان ذلك لم يف بالحاجة المادية لهؤلاء الفنانين وازاء هذا الوضع المادي المتأزم اضطر بعض الفنانين للهجرة خارج سوريا.
وتوالت الهجرة الى روما في محاولات جديدة من قبل الفنان لؤي كيالي ـ رولان خوري ـ عبدالرحمن مؤقت غير ان هؤلاء الفنانين لم يجدوا في ايطاليا ما كانت تصبو اليه طموحاتهم فسرعان ما عادوا الى حلب ليتابعوا نشاطاتهم فيها. ولعبت الظروف المادية والاجتماعية للفنانين الذين هاجروا الى روما دورا سلبيا في توجيه سلوكهم الفني حيث اخذوا يضطرون الى نسخ اعمالهم وتكرارها كي يرضوا طلبات تجار الاعمال الفنية وسماسرة الفن في روما.. كما اخذوا يقلدون بعضهم في الاساليب والموضوعات التي تشهد رواجا اكبر نفقاته نظرا لارتفاع تكاليف المعيشة في ذلك البلد الاوروبي.
كان لؤي صانعا متمكنا من ادواته التشكيلية وبشكل خاص (الخط) الرسم, وعبر هذه التقنية (الرسم) و (اللون) تطورت تجربته لتصل الى نوع من الثراء والغنى الخطي ـ ان جاز لنا التعبير ـ الخط في قدرته على صياغة الكتلة كما تكشف لنا في تجربة (لؤي) الفنية عبر (الوجوه والاجسام), ثم الخط في امكانياته التعبيرية الهادئة واخيرا الخط في رقته وشاعريته ورومانسيته تعني بالتحديد المهارة في رسم الخط بذاته, الخط بكل ما يملكه من امكانيات جمالية وتعبيرية (لين ـ قاس ـ دقيق ـ متحرك ـ انسيابي ـ حيوي). اما الموضوعات الاجتماعية والانسانية ولأن لبعضها (امومة ـ طفولة مشردة ـ باعة صغار) تأثيرا عميقا في داخله فقد قام بمعالجتها اكثر من مرة فقدم على سبيل المثال موضوع الامومة ولقد لخص احد النقاد معالجته هذه في جملة واحدة: (لؤي كيالي الجمال الحزين الذي يريح النفوس المتعبة) فمسحة الحزن التي كان يضعها في وجه (ماسح الاحذية) اصبح يستخدمها في رسم الوجوه الخاصة, والشيء المؤكد بالنسبة لنا منبع هذا الحزن ليس وجوه الاثرياء او الفقراء بل ينضح من ذات الفنان الحزينة.. لماذا الحزن؟ يجيب لؤي كيالي: (لأنني في اعماقي حزين) . لم يكن يعتمد التعبير عن الحجم باللون بل بالخط نفسه ولم يرغب في تقديم الشبه بل كان يضيف الى الوجوه مسحة حزينة.. رومانتيكية احيانا توحي للمشاهد بأن هؤلاء الناس يعانون مهما اختلفت طبقاتهم الاجتماعية ومهما تباينت منزلتهم.. ترى هل وجد لؤي في احزانه شخوصه (الام ـ الصياد ـ الطفل المشرد ـ ماسح الاحذية ـ بائع اليانصيب.. الخ) صدى لأحزانه, لأعماقه؟
نوع من الخلاص لقد استطاع ان يشد الناس على اختلاف مواقعهم الاجتماعية وثقافاتهم ومواقفهم الى اعماله وما تحمله من مضامين وذلك بفعل الجمالية التي تكون العالم الشاعري الرقيق الذي تعيش فيه تلك الاحزان والآلام وهنا يقترب لؤي مما هو قدسي في صياغة عالمه الفني وهذا يعني انه بحث اخيرا عن نوع من الخلاص (مسيح جديد) يحمل صلبانه وآلامه واحزانه ويدعو الى الجمال والمحبة والخير والسلام. وقد تكشفت احزان ابطاله بشكل خاص عبر الوجوه وما اعطاها من تعابير انسانية وبكثير من الوداعة, بمعنى ان آلام شخوصه على اختلاف مشكلاتها الاجتماعية والانسانية, ما زالت دفينة في اعماقها وفي بعض الحالات تبدو هذه العناصر الانسانية مستغرقة في احزانها وآلامها, تعيش الالم بمتعة وتختزنه في الداخل, تكبته ولا تفجره, وكأنها مستسلمة لمصيرها. ورغم التنوع في البناء التشكيلي والتعبيري فحين رسم (طفلان من ارواد ـ صياد من ارواد ـ ماسح الاحذية ـ وجه ـ امومة.. وغيرها) في النصف الاول من الستينيات اكد على عفوية الانجاز بحيث وجد فيه البعض ذلك الفنان التعبيري المتميز بحسه الانفعالي بالناس والاشياء من حوله. الا انه حين عاد في السبعينيات ليتناول نفس الموضوعات ارواد والصيادون والباعة الصغار والامومة خرج عن عفويته ليقدم اعماله ضمن رؤية اخرى مختلفة فيها الكثير من عقلانية البحث التشكيلي ان ما اعطاه لؤي فن اصيل يعتبر دلالة تاريخية وبشارة لخلاص الانسان من عذابه وشقائه الابدي وتعتبر مسيرته الفنية تعبيرا اكيدا عن التزام الفنان ومعاناته الكبيرة تجاه مجتمعه لكي يرقى به نحو الافضل والاعلى.
ثم جاء تأثيره بالحدث القومي بشكل مفاجئ قبيل نكسة يونيو في عام 1967 ففي الوقت الذي كان يتوجه بانتاجه نحو تصوير الموضوعات الاجتماعية والوجوه الحزينة كانت تدور حوله مقولات عن مفهوم الفن للفن والفن الجماهيري والفن الملتزم وتسربت تلك الاجواء الى نفسه فبدأ اهتمامه بالقضايا الوطنية والقومية يتبلور اكثر ويصبح ازاءها اكثر حساسية فترك رسم الوجوه والموضوعات التي تلقى رواجا في الاوساط الارستقراطية وقدم لوحته (ثم ماذا) عن نازحي الارض المحتلة وكانت تلك نقطة تحول هامة في مسيرته الفنية وبها دخل مرحلته التعبيرية وقد كتب لؤي عن هذه اللوحة في احدى الصحف السورية قائلا: انها مأساة ضخمة مأساة اللاجئين النازحين عن الارض المحتلة مأساة حاولت قدر استطاعتي وامكانياتي الفنية ان اعطي ابعادها في اللوحة.
لقد استغنى لؤي في لوحته عن ادواته الفنية السابقة واستعان بالالوان السوداء بتدريجات مختلفة فتركت لوحته اثرا واضحا في حركة التشكيل السوري وباتت حديث الاوساط الثقافية والاعلامية وقبل ان تحل نكسة يونيو على الامة العربية بما خلفته من مآس متوالية اقام لؤي معرضا فنيا هاما كان هاجسه رصدا لارهاصات النكسة وآثارها واستخدم لؤي فيه العيون كنوافذ للعوالم الداخلية والايدي مسترخية ومنقبضة تعبيرا عن مواقف متعددة وكذلك اهتم بحركة الجسد الانساني حيث تبدو شخوصه وكأنها تعتصر ألما وحقدا وغضبا والاجساد تتلوى في صراعات وحركات ملتحمة في فضاء اللوحة. لقد كان المعرض صرخة مدوية في ضمير الامة والعالم واثار جدلا مطولا في الاوساط الثقافية والعربية فقد جاء كشفا فاضحا للاوضاع العربية المتردية ومواجهة بين الذات العربية ونكستها.. وتتضح الابعاد المأساوية لدى الفنان لؤي كيالي من خلال شخوصه الذين قدمهم في اعماله وقد استوطنت الاحزان في وجوههم وظهرت على اطرافهم ملامح التأزم النفسي والانفعالات الدفينة التي تعكس القهر والحرمان كما في لوحة ماسح الاحذية وبائع الصحف.
الناقد التشكيلي طاهر البني يتحدث عن اسلوبية لؤي كيالي فيقول: لؤي كيالي صور اعماله باسلوب واقعي يعتمد الخط المرهف في تحديد ملامح اشكاله الواقعية ثم كساها بألوان بسيطة هادئة تميل الى الزرقة في معظمها مع استخدام متقن لبعض الالوان المحدودة كالاحمر والبرتقالي والاخضر والابيض وهو يستخدمها بشفافية تظهر تأثير احساس اللوحة التي يعالجها بتقنية انيقة تكسب اللوحة خاصة وتضعها في مناخات الرومانسية تارة والتعبيرية تارة اخرى في معالجة للملامح الانسانية وتقترب من مناخات التجريد في معالجته لموضوعات الطبيعة الصامتة والزهور بينما تجنح الى السريالية في تصوير المراكب البحرية الراسية على الشواطئ المقفرة. وهو اذ يهمل البعد الثالث في اللوحة فإنه يعوضه بتدريجات من الظلال الخفيفة التي يعالجها بقلم الرصاص قبل تثبيت اللون في بعض لوحاته. وهو في تناوله لهذا النمط من التقنية يذكرنا ببعض الاساليب التقنية التي درجت عليها بعض الفنون الشرقية التقليدية والفن البيزنطي والاسلامي في العصور الوسطى كما تذكرنا ببعض تجارب الفنان العالمي بابلو بيكاسو في مرحلتيه الزرقاء والوردية حيث يحيط الفنان اشكاله بخطوط انسيابية مغلقة. وقد يكون لاهتماماته الدراسية الخاصة بالفن البيزنطي اثر في ذلك.
رأي في النقد وفي حوار مع الفنان لؤي كيالي عن الكتابة النقدية نشر في احدى الجرائد الرسمية السورية يقول: لي رأي خاص جدا في النقد الفني بصورة عامة وفي سوريا بصورة خاصة ولو أنه رأي جاد وصريح تنتهي مهمة الفنان عندما يقدم انتاجه للجمهور ولا يحق لأي كان طلب شرح الانتاج الفني من الفنان وانما من شخص اخر يدعى الناقد الفني له من المؤهلات الحسية والجمالية ما يقربه من انتاج الفنان ويدفعه الى تذوق العمل الفني الخالص كما له من المؤهلات الثقافية والفنية ما يدفعه الى تفهم الانتاج نفسه. الحكم يجب ان يدعم بثقافة فنية واسعة النطاق حتى اخر التطورات الحديثة في الفن كذلك يجب ان يدعم هذا التقييم الاحساس بمسئولية الكلمة. وهناك فكرة جد خاطئة في النقد في بلدنا وهي ان النقد الفني يعني الثناء على انتاج الفنان او قدحه.. كما ان النقد الفني لم يكن في يوم من الايام وسيلة لكسب رضى الفنان او لكسب فئة معينة دون الاخرى لهذا كله فإننا لم نزل بحاجة الى انسان حساس يوازي الفنان بحساسيته ومثقف يفوق الفنان في ثقافته ومتجرد بحس مسئولية الكلمة التي يتبناها عن يقين وايمان.
ما نراه هنا ان كتابات لؤي يغلب عليها الطابع التنظيري حيث يتناول موضع حساسية الفنان كفرد اما عن مسألة الالتزام بالقضايا المعاصرة وموقف الفنان منها فنجد ان لـ (لؤي) رؤيته الخاصة في هذا الجانب: (ان الفنان لا يطالب بالالتزام في انتاجه.. لأن الالتزام نابع من اعماق ذاته وهذا هو الالتزام الحقيقي في الفن لأن الفن عطاء والعطاء استمرار في العطاء دون الزام) .
ان لؤي من المدرسة الاشتراكية الطوباوية ولذا اراد كفنان ان يكون رومانسيا وان يقدم الشفاء والخلاص من الفئة المستفيدة من الاوضاع فلجأ الى اسلوب مناشدة الضمير.. اطفاله يطلبون الشفقة والاحسان.. صحيح ان اطفال لؤي يأخذون اوضاع الفقراء لكن في نهاية المطاف لا يخيفون يسترحمون.. لا ثورة في اعماقهم.
الناقد صلاح الدين محمد يتحدث عن لوحات لؤي كيالي فيقول: الفنان لؤي كيالي والذي كاد ان يصبح ظاهرة الان في لوحاته المعروضة يبتعد عن التعبيرية مقتربا من الواقعية اكثر, للألوان عنده دور ثانوي مكحل فالخط وحده يمكنه القيام بوظيفة التعبير كما انه يستعمل الالوان الاساسية الثلاثة لاراحة شبكة العين ـ المفهوم الفيزيائي للملون ـ ويسيطر على العمل بفعل تأثيرات الرصاص في التظليل وتركها واضحة مرئية والذي يسيطر على الفراغ في لوحته هو اللون الابيض على المساحة الواسعة وبالتالي كتعويض لفقدان عنصر الحركة في اللوحة التي يدعمها ايضا التعاطف بين الخطوط السالبة ـ المستقيمة والموجبة ـ المنحنية. ان لؤي صديق للفقراء صوت لاحزانهم وحرمانهم. فن لؤي لم يكن وليد الفطرة وحدها او وليد ادراك فطري بل هو وليد ادراك معنوي يرفض مظاهر الانسان المكتسبة او الشخصية المكتسبة ويقدم لنا الانسان الخام البسيط ويطرحه او ينقله لنا من صفة انسان عادي الى درجة اعلى من الادراك المعنوي.. خلاصة الرأي عن الفنان لؤي كيالي ان الفن عنده في جوهره معرفة.. والمعرفة خط يمضي باتجاه علم الانسان.