International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> استغنى عن العالم كله من أجـــــل اللوحة ... فأبدع (عداوة الكار)…هي التي أودت بلؤي كيالي إلـــــى الوحــــدة النفســية…لؤي كيالي أحد القامات الإبداعية العربية التي تجاوزت المكان والزمان

Article Title : استغنى عن العالم كله من أجـــــل اللوحة ... فأبدع (عداوة الكار)…هي التي أودت بلؤي كيالي إلـــــى الوحــــدة النفســية…لؤي كيالي أحد القامات الإبداعية العربية التي تجاوزت المكان والزمان
Article Author : هناء طيبي
Source : جريدة الجماهير -
Publish Date : 2011-06-13


استغنى عن العالم كله من أجـــــل اللوحة ... فأبدع (عداوة الكار)…هي التي أودت بلؤي كيالي إلـــــى الوحــــدة النفســية…لؤي كيالي أحد القامات الإبداعية العربية التي تجاوزت المكان والزمان

جريدة الجماهير - يومية سياسية تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر - حلب
فضاءات ثقافية

الاثنين13-6-2011
هناء طيبي

لؤي كيالي، ابن عائلة معروفة في حلب ، فتح عينيه على شجيرات الفل والياسمين وعريشة العنب وأصص الزهر من كل لون وشكل في دار أهله العربية الكائنة في أحد أحيائها القديمة العريقة «وراء الجامع الكبير» . هو الابن المدلل الوحيد وترتيبه الثالث بين أخواته الثلاث، عاش طفولة سعيدة جداً، متكاملة في الحب والاحتضان والرعاية التامة،

لكن تلك السعادة تغيرت عندما اشتد عوده وبدأ «صيته» ينتشر في أوساط المثقفين، وبدأت شهرته تأخذ مداها في عالم الإبداع التشكيلي، ليعيش أقسى وحدة نفسية وأقسى قهر، حتى اعتاد على المهدئات وتلك الحبوب طرحته في كآبة ووحشة، ليودي به هذا المناخ الداخلي بتلك الفاجعة المروعة «الاحتراق في السرير». ما السبب في كل هذه السوداوية؟ .. تقول شقيقته السيدة زليخة رفيقة الكثير من أيامه والكثير من شجونه: «إنها عداوة الكار» من رفاق زمانه، ممن لم يستطع السير بجانبه، أو ممن أراد أن يكون وحده في الميدان، وتكرس الزغاريد كلها له وحده، فأراد إطفاءه، ومَن مِن الناجحين لا يعرف ماذا تعني «عداوة الكار»، وأي سبلٍ جائرة تؤخذ لحصار هذا الناجح وتحطيمه ؟.. وهذه هي حكاية لؤي وسر ما وصل إليه من مأساة، فقد كان من الرقة والرهافة ما حطم أعصابه فلم يستطع الوقوف أمام مهاجميه وأساليبهم المنوعة .. لؤي كيالي، هو أحد القامات الإبداعية العربية التي تجاوزت المكان والزمان، حتى كادت أن تكون أسطورة، هو الحاضر الغائب، إنه اللغة التشكيلية الخاصة بعوالمها ومعالمها، بتقنية عصية على كل يد حاولت الامتداد لها، أو التشبه بها .. لكنها طيعة لينة بفرشاته يشكلها برؤية بسيطة ومقروءة متوازنة مع كل حاضر راهن وكل مستقبل آت .. درس لؤي كيالي الزخرفة «التصميم الداخلي - الديكور» ولم يدرس الرسم، وذلك الاختيار كان نازعاً داخلياً يملك جذوره في عمق لاوعيه، ومن يتابع رحلة هذا الفنان الكبير لابد من أن يلاحظ العناية البالغة في نظافة اللوحة كلون، وفي التدقيق على الخط وكثافته، هذه النزعة الداخلية المترفة والمترعة بحب الجمال وتعميم هذا الحب على أوسع القطاعات يتناقض جذرياً مع المرحلة الحياتية التي عاشها الفنان، ولاسيما في أوج شهرته، حيث عاش حالة التقشف والعزلة. هذا الصراع كيف بدا في إنتاج لؤي؟ إذا لاحقنا اللوحات الشعبية كلوحات المقاهي وبياع اليانصيب وبياع الكعك، فسوف نجد هذه الازدواجية وقد تصالحت أحياناً أو تنافرت أحياناً أخرى، فمن يرغب في أدلجة التشكيل، وجعل اللوحة منبراً خطابياً لن يرى ذلك، فوجه الطفل الذي يبيع الكعك بريء وجميل فيه صحة وأناقة، حتى التكوين العام للوحة بتوازنها وتوزيع مساحاتها وبفرش اللون بدون تدرج وحصره ضمن خطوط واضحة، كل ذلك لا يفجر القضية، قضية الفقر والتشرد والبؤس في الحالات التي تناولها لؤي، بل ينبع من إحساس إنساني جمالي على أنه لا ينظر إلى الواقع براهنيته، إنما يرمي بأنظاره إلى عمق الآن ثم يستشرف الآتي . «وقد أكدت لي السيدة زليخة، مقولتي هذه، عندما قالت: لؤي كان عطوفاً على الفقراء، رؤوفاً بهم، يحبهم يعاملهم برفق وإنسانية مرهفة، كان حنوناً بطبعه..» فهذا الطفل الذي يتوه في أزقة المدينة الواسعة يبحث عن لقمته، ولقمة أسرته، هذه اللقمة الشحيحة لا تفجر يأساً في أعماق الفنان، بقدر ما تفجر حناناً بالغاً، ومحبة للطفولة، فلا يخون ذلك الحب بتشريح مبالغ فيه، ولا بتشويه يبتعد عن الجمال الذي يعشقه الفنان، فهذا الفنان يكرس حياته بمجملها لحياة التعساء بدون جعجعة أو إطناب خطابي ، إذ أن اللمسة الرقيقة الحنون أكثر إيلاماً في النفس من ملايين الخطب والعنف المباشر، والفنان الذي يعيش هذا الترف الداخلي وذلك الشظف الخارجي، إنما كان يعيش صراعاً على المستوى الفردي الداخلي، وعلى المستوى الخارجي الجماعي من تعامل وبث أفكار، مما ولّد وحدة موحشة في داخل الفنان، جعلته يبتعد عن المحيط بشكل عام، وقد «أشرنا إلى ذلك في البداية ». وحشة الفنان الداخلية تفجرت في لوحات عدة، فلوحة «المستلقية» مثلاً، حيث أن هذه المرأة المتعبة المكدودة لا يسحقها تكاثف المحيط بقدر ما يسحقها الفراغ إن من يدقق في نسب اللوحة سوف يعجب لهذا الضغط الفراغي الذي تمارسه طريقة التكوين، فالفراغ العلوي بالرغم من حياديته إنما يبدو كسديم قاهر يضغط على الكائنات فلا يترك لها متنفساً. وإن قفزنا إلى المرحلة الأخيرة التي جسدها قبل رحيله، وبالإضافة إلى الجماليات اللونية الحارة من أزرق وأحمر وبرتقالي - والبرتقالي مميز وخاص بلؤي - فلوحات القوارب المائية الملتمّة على نفسها، وكأنها أطفال مذعورة في وجه محيط قاس، إنها صورة الوحدة الداخلية التي يعيشها الفنان لؤي، عبرت عنها تلك الكائنات الصماء ونطقت بلسانه، وأكثر ما يثير العجب هذا التوحد الذي ينبئ عن ارتباط بالمكان والتصاق بالشيء، فإذا الإنسان يصبح شيئاً وكأنه مرهون لما صنع، وإذا بالشيء ينبض بالإنسانية وكأنه قد امتلك روحاً.. كما أن تلاحم الإنسان مع الأشياء جاء تلاحماً حميمياً، ففي لوحاته عن المقاهي الشعبية وعن صانعي الشباك نجد أن كرسي المقهى مع الجالس عليه يشكلان وحدة غير منفصلة، كما أن الشباك والمخرز والكف المتعبة وانحناءة الكتفين وشبه الاحدداب الذي يكون قوساً مع الشبك، كلها توحي بعلاقة حميمية ما بين الإنسان وأشيائه. من جماليات أعمال لؤي الفنية والمتفردة « لوحة معلولا» هذه اللوحة تملك خصوصيتها وتفرّدها ما بين مئات اللوحات التي رسمت لمعلولا، هذه البلدة الفريدة بتكوينها المعماري والتاريخي والألسني، إنما نطقت بلسان لؤي فإذا هي عمارة متجانسة حنون متضامنة، وكأنها جموع جماهيرية تتقدم كتفاً إلى كتف نحو المستقبل ، وألوانها هي مزج وإشراق.. هذا ويمكننا أن نتحدث مطولاً عن فن «البورتريه» .. هذا الفن الذي برع فيه لؤي إلى أقصى حد.. وبعيداً عن اللوحات التي عرضت له في معارض عدّة وطبعاً مبهرة جميعها بجمال أدائها، وجدتُ في منزل السيدة زليخة عدداً وافراً من اللوحات تجسّده شخصياً، أو تجسّد أفراد العائلة، وكان لهذه الشقيقة النصيب الأوفر من أعماله المجسدة لشخصها .. وأول عمل «بورتريه» رسمه لؤي، كان في الثامنة من عمره، وربما أقل من ذلك، إذ كان يجسد والده.. رسمه لؤي على اللوح الحجري الأسود والطباشير الأبيض المستعملين في المدارس الابتدائية .. فجاء التجسيد كما وصفته السيدة زليخة صورة طبق الأصل عن وجه والدها ومن هنا كانت البداية وبعدها «كرّت السبحة» .. لتبشر بميلاد فنان عظيم خلده فنه .. أما في رسمه على مادة الخشب المعاكس فيميل إلى تشفيف اللون وترقيقه؛ لتنبض مادة الخشب بإيحاءاتها الفطرية .. إنها تجربة عاشت لفترة معقولة مع الفنان، وكانت لها نتائجها الباهرة والمفاجئة مع كل لوحة. أخيراً.. في الحقيقة إن الدخول إلى عوالم لؤي الفنية والذاتية هو دخول صعب، وإن التعبير عن عالمه من خلال اللوحة التي وهبها كل مساحات روحه ووجوده، فيه بعض الحقيقة لا كلها .. وقد قيل عن حب لؤي للفن، إن هذا الحب كان السبب الأول والأخير لعزوفه عن الزواج واختياره الفن رفيقاً لحياته .. فكان لايريد أن يأتي بشريك لفنه، فاستغنى عن العالم كله من أجل اللوحة .. وأبدع.‏