International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي.. حداثة فنيّة.. ومضمون إنساني

Article Title : لؤي كيالي.. حداثة فنيّة.. ومضمون إنساني
Article Author : -
Source : مجلة ألف باء السورية الإلكترونية
Publish Date : 2009-05-04


لؤي كيالي.. حداثة فنيّة.. ومضمون إنساني


بهذا العام، يكون قد مضى واحد وثلاثون عاماً على رحيل الفنان التشكيلي السوري (لؤي كيالي) الذي شكّل فنه مرآة صادقة لحياته المضطربة التي عانى فيها من عنف الذات وعنف الآخر، وانتهت بمأساة كرست هذه الصورة، وزادت من تعلق الناس بفنه الذي كان أول من حقق أسعاراً مرتفعة في المحترف السوري.
لوحة الفنان كيالي، مطلوبة بإلحاح هذه الأيام، وثمة تنافس محتدم الآن، بين أصحاب صالات العرض وجامعي اللوحات والأفراد العاديين، على الساحتين السوريّة والعربيّة، للحصول عليها، مهما كان ثمنها، الأمر الذي أغرى البعض من الفنانين، لا سيما في مسقط رأسه حلب، بتقليدها وتزويرها
إن مجريات حياة هذا الفنان وفصلها الأخير الذي شهد موته حرقاً وهو في محترفه في حلب، من أهم العوامل التي لفتت الانتباه إليه وإلى فنه الذي رغم تلونه وانعطافاته الكثيرة، لم يغادر الصيغة الواقعيّة. ‏
التزم كيالي في فنه الموضوعات الإنسانيّة والوطنيّة والقوميّة، وعبر عنها بمجموعة كبيرة من اللوحات التي حملت تطرفاً واضحاً، والتزاماً صادقاً بالمعذبين والفقراء والمنتجين الصادقين البسطاء الطيبين من شعبه. فقد كرس فنه (لا سيما بعد العام 1970) للأمومة، والباعة الجوالين، والصيادين، وماسحي الأحذية، وبائعي ورق اليانصيب، والمعوقين، والعاملين في الحقول، وربات البيوت، والمشردين البؤساء. كما رسم الأزهار والطبيعة الصامتة وبلدة (معلولا..) وكان في أعماله كافة، رقيقاً، صامتاً، هادئاً. قدم موضوعه بلغة فنيّة واقعيّة مُبسطة ومختزلة، اعتمد فيها على الرسم كقيمة تشكيليّة وتعبيريّة رئيسة، وعلى المساحات اللونيّة الشفافة والبسيطة. ‏
تجربته في كتاب
عن الأمانة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربيّة، صدر مؤخراً كتاب حمل عنوان (لؤي كيالي: حداثة فنيّة.. ومضمون إنساني) للناقد الفني السوري (طارق الشريف) تضمن مقدمة مكتوبة العام 1996 وخمسة فصول تعرضت لمرحلة البداية والتكوين عند كيالي، وانتقاله من الواقعيّة إلى الواقعيّة الشاعريّة، ومرحلة البحث عن أسلوب شخصي، ووصوله إلى الواقعيّة التعبيريّة، ثم إلى الواقعيّة الجديدة، فالمرحلة الأخيرة في تجربته، كما ضم الكتاب بعض كتابات الفنان كيالي، وبعض ما كُتب عنه، إضافة إلى لمحة موجزة عن حياته، و61 صورة. منها 29 صورة ملونة لأعماله العائدة لمراحل مختلفة من تجربته، ومثلها بالأبيض والأسود، وثلاث صور له ولمحترفه. ‏
يرى الناقد الشريف أن لؤي كيالي استطاع تفريغ المخزون الداخلي المأساوي المستقر في أعماقه منذ الطفولة البعيدة، باللغة الفنية الحديثة التي أصبحت محددة المعالم وقادرة على إيصال ما يريد للآخرين. ‏
وحدد الملامح العريضة لتجربته بعدد من النقاط منها: ابتعاده عن الأسلوب الجمالي الذي كان واضحاً في البداية، وعن الجانب التسجيلي، واعتماده على الخط وإيقاعه الجمالي الخاص المعبّر بحركته اللا متناهيّة. ‏
كتابات الفنان
أورد الناقد طارق الشريف في كتابه، مجموعة من الآراء المنسوبة للفنان كيالي، تتعلق بجملة من الأمور والقضايا والإشكالات الفنيّة، وتعكس في الوقت نفسه، موقفه الخاص منها. من ذلك موقفه من النقد الفني الذي عانى كثيراً منه وكان سبباً رئيساً من أسباب اختلال حياته، ومرضه النفسي والجسدي. يقول كيالي: (إن لم يكن الناقد أعلى مستوى من الفنان، من حيث الثقافة الفنيّة، فإنه يجب أن يكون في مستواه، هذا إذا تناسينا قضية الإحساس في العمل الفني التي هي أهم مقوماته، ونحن لم نزل بحاجة إلى إنسان حساس، يوازي الفنان بحساسيته، ومثقف يفوق الفنان بثقافته، ومتجرد يحس مسؤولية الكلمة التي يتبناها عن يقين وإيمان). ‏
وحول قضية الالتزام في الفن، يؤكد الفنان كيالي أنه حينما (يتخذ الفن مضموناً جديداً في الرصيد الفكري، ويصبح شكلاً من أشكال الوعي الاجتماعي، يكتسب طابعاً نضالياً، وهذا ـ في جوهره ـ يعني تمرداً على الواقع، ورفضاً له، وما دام الفن مرتبطاً بالواقع ارتباطاً جذرياً، فإنه لا بد أن يرتبط بواقع الثورة). ‏
ويرى الفنان كيالي أن الفنان ليس سوى إنسان يريد أن يقول شيئاً (كغيره من الناس) وهو لا يختلف عنهم إلا أنه يُعبّر عن مشاركته الوجدانيّة لهم من الأعماق، نتيجة حساسيّة مرهفة بالحوادث الحياتيّة حتى في أدق جزيئاتها وأشدها التصاقاً بإنسانيّة الإنسان. وقد تصل هذه الحساسية لديه إلى درجة الإفراط، وحتى درجة التوتر النفسي (كما حدث للفنان فان كوخ) الذي دفعه حبه للناس الذين لم يفهموه ولقبوه بالمجنون، إلى أن يقطع أذنه ليقدمها إلى امرأة أُعجبت بها، تعبيراً عن محبته لها. ‏
إن عطاء الفنان (كإنتاج) نتيجة منطقية لعطائه (كحياة) هو نتيجة شعوره في أنه يعيش ويشارك الآخرين نتيجة إحساسه بحاجتهم إليه، وحاجته إليهم. يريدهم أن يفهموه، كما يحاول أن يفهمهم. وهو يريدهم أن يتقبلوه أو يرفضوه كما هو، كما يتقبلهم أو يرفضهم كما هم. هذا القبول أو هذا الرفض، يشعرهم جميعاً بديناميكيّة الحياة، وبتواتر الانفعال، وذبذبات الإحساس. ‏
إن القبول يولد تعاطفاً وتجاوباً بينهم ككل، ومن ثم انسجاماً في الأهداف والمنطلقات في البقاء في سبيل حياة ومجتمع أفضل، وعلى مستوى إنساني، ولا بد من أن هذه الأهداف والمنطلقات في البناء ستنعكس في إنتاج الفنان، ما دام يعيشها كحياة بصدق، ويريد التعبير عنها بصدق. ‏
ويعتقد الفنان كيالي أن الإنسان لا يطالب بالصدق مادام هو صادقاً، وأنه من العبث مطالبة الإنسان بالصدق ما دام كاذباً. على هذا الأساس، فإن الفنان لا يطالب بالالتزام في إنتاجه، لأن الالتزام نابع من أعماق ذاته، وهذا هو الالتزام الحقيقي في الفن، لأن الفن عطاء، والعطاء استمرار في العطاء دون إلزام، لكن يحق للآخرين أن يطالبوا الفنان بالالتزام كإنسان له مواقفه الحياتيّة في القول والتصرف، لأن إنتاجه لابد وأن يكون انعكاساً حقيقياً لمواقفه الحياتية تلك. ‏
وهكذا قد يكون الالتزام ضرورياً للفنان، ولكن يجب أن يكون التزامه كإنسان أولاً، وكمنتج ثانياً، لأن التجارب الحياتيّة تعمق فكرة الالتزام في أعماقه وتزيدها وضوحاً وأسراراً وثباتاً في إنتاجه. ‏
وينتهي الفنان لؤي كيالي إلى نتيجة مفادها أن التزام الفنان تأكيد لتحقيق إنسانيته، من مشاركته الوجدانية (قولاً وفعلاً وإنتاجاً) في بناء حياة ومجتمع أفضل، وعلى مستوى إنساني. ‏

حياته في سطور ‏
ولد الفنان لؤي كيالي في حلب عام 1934. بدأ الرسم مبكراً. أقام أول معرض شخصي في قاعة الثانويّة الأولى في حلب عام 1952. بعد حصوله على شهادة الدراسة الثانويّة العامة العام 1954 التحق بكلية الحقوق في جامعة دمشق حيث شارك بمعرض الجامعة السوريّة وفاز بالجائزة الثانية. أثناء دراسة الحقوق حصل على بعثة من قبل وزارة التربية (المعارف سابقاً) لدراسة الفن في (روما). امتدت دراسته فيها من عام 1957 إلى عام 1961 حصل بعدها على شهادة أكاديميّة الفنون الجميلة (قسم الزخرفة) وعاد إلى سورية ليُعيَّن مدرساً للتربية الفنية في ثانويات دمشق. في العام 1962 انتقل للتدريس في المعهد العالي للفنون الجميلة (كلية الفنون حالياً). ‏
أقام الفنان كيالي العديد من المعارض الفرديّة داخل سورية وخارجها، لعل أبرزها وأهمها وأكثرها إثارة للجدل، المعرض الذي أطلق عليه عنوان (في سبيل القضية) الذي أقامه في المركز الثقافي العربي في دمشق العام 1967 ونقله إلى حلب وحماة وحمص واللاذقيّة. ضم هذا المعرض (الذي منه انبثق اضطراب حياته وأزماته المتلاحقة) ثلاثين لوحة تحدثت عن قضية فلسطين وتداعياتها العربيّة، نفذها باللونين الأبيض والأسود. لاقى هذا المعرض التجريح والانتقاد من قبل بعض الفنانين والنقاد والكتاب السوريين، الأمر الذي دفعه إلى التأزم وتمزيق أعماله والتوقف عن الرسم. بعد نكسة حزيران، ازدادت أزمته، فانقطع عن الحياة العامة واعتكف في بيته. العام 1969 عُولج في بيروت، فتحسنت حالته، وعاود حياته العامة مطلع سبعينيات القرن الماضي، حيث عاد للتدريس في كلية الفنون الجميلة في دمشق. بعدها عاودته الأزمة، ثم تعافى مرة ثانية حتى العام 1977 حيث غادر للعيش في إيطاليا، لكنه ما لبث أن عاد إلى حلب العام 1978 بعد انتكاسته الثالثة. وهناك أدمن على تعاطي الحبوب المهدئة. ليل 9 ـ 10 أيلول 1978 احترق وهو في سريره، وعلى الرغم من محاولة إنقاذه التي ساهمت فيها الدولة، فارق الحياة في 26/12/1978