International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> في ذكرى احتراقه الثلاثين! لؤي كيالي.. نجم الستينيات مازال متوهجاً!

Article Title : في ذكرى احتراقه الثلاثين! لؤي كيالي.. نجم الستينيات مازال متوهجاً!
Article Author : عمار حسن
Source : مجلة البناء
Publish Date : 2008-12-22


مجلة البناء - يصدرها الحزب القومي السوري الإجتماعي /الإثنين 22 كانون الأول 2008/ العدد 423

في ذكرى احتراقه الثلاثين!
لؤي كيالي.. نجم الستينيات مازال متوهجاً!


.. كُتب الكثير عن لؤي كيالي نجم الساحات التشكيلية أيام الستينيات والسبعينيات، إلا أن أغلب الكتابات التي اطلعت عليها تتراوح بين المرثيات والانطباعات بحيث لا تقدم شيئاً مهماً بالقدر المناسب في الإضاءة على فن لم يتكرر حتى اليوم في سورية، هذا إذا استثنينا قلة ممن كتبوا من بينهم صلاح الدين محمد، ممدوح قشلان، وطاهر البني.. وهذا لا يكفي إذ تبقى لوحات الفنان هي الفيصل فيما ذهب إليه من تعرض للؤي للكتابة أي كان محتواها! ولهذا كان لا بد من الاطلاع على أكبر عدد من أعماله مجتمعة وهو ما وفره موقع على النت يضم أعمال لؤي، إذ يمثل المرجع الوحيد في غياب وندرة المصادر! موقع يحاول من سنوات ابن عمه د.سعد كيالي إثراءه بمزيد من صور لأعمال لؤي أو ما كتب عنه، وهنا ندين لسعد بالشكر.. إذ يسمح لنا الموقع بالإطلاع في وقت واحد على تجارب الكيالي التشكيلية ما يسهل دراستها والمقارنة فيما بينها..
26/12/1978
.. بهذا اليوم بردت يدا لؤي إلى الأبد، تلك اليدان اللتان أشعلتا حرائق التعبير في أجساد اللوحات التي تركها تنبض بقامة الفن السوري بحيث لا تزال تمنحه الكثير من الحرارة إلى اليوم.. وإن كنت لا أستعرض عذاباته في المئة يوم الأخيرة من احتراقه في النار الثانية!؟
إلا أنه من المهم التأكيد على النار الأولى التي أشعلها ُسذاج النقد آنذاك بحيث هدموا ما سعى الكيالي إلى إقامته في آفاق جديدة من الفن بحيث عجزت عيونهم عن رصده، فكان أن أتاه التهكم والنقد غير الناضج من كل حدب وصوب وخصوصاً على معرضه الذي أقامه في دمشق على إيقاع نكبة 1967 حيث صور تلك المأساة بثلاثين عملاً بالفحم بروح وطنية طاهرة تأبى الخنوع فكان هذا بالنسبة إليه أكثر من صفعة لم يستطع فنان بمثل حساسيته وحجم تألمه آنذاك احتماله، فما كان منه إلا أن أتلف أعمال معرضه كاحتجاج آخر على حالة أخرى من الانهزام الفني وعدم القدرة على الارتقاء لرؤية ألم الأمة بين تدرجات الرماديات التي نضحت منها آلام الفنان لحال الإنسان العربي.. هذا العرض (في سبيل القضية) شاهداً لا يزال على حالة التردي في القراءة الفنية أقل ما يقال فيها.. ولا تزال مستمرة حتى اليوم وبذات الإيقاع لكن ليس لدينا الفنان الذي يمتلك حساسية الكيالي ليحتج! وعلى إثر هذا العرض بدأت الأزمة النفسية التي لازمت الكيالي حتى بقية حياته التي خسرتها التجربة التشكيلية السورية خسارة أتلمس هولها الآن دون أن أحيط بحجمها..
خادم نعال الفقراء!
لا تمثل هذه المادة دراسة منهجية للفنان الكيالي فهي ليست أكثر من عرفان بإيجابية أثر هذا الفنان على التشكيل السوري ومحاولة لتأكيد أن أعمال الكيالي بيدر وافر الغلال لدراسات متعددة في الفن أو الإنسان، الوطنية.. وكثير غيرها وفوق هذا يمكننا التحدث عن لؤي كفنان مبدع لديه القدرة على الابتكار وطرح الصور الجمالية بحالة من الإشكالية الفنية بحيث لا تقل أبداً عن المدارس الفنية في الغرب إن لم تنحرف عنها لتشكل حالة خاصة سيكون الكشف عنها من الأهمية بمكان بحيث تغنى بها الذائقة ويعاد للفنان حقه الأكيد في التقدير..
ما أغفلته كل الدراسات السابقة عن لؤي، تلك العلاقة الروحية الجميلة التي ربطته بجده والذي يعتبر آخر شيخ للطريقة الرفاعية الكيالية في التصوف حيث ترعرع في جنبات الزاوية التي كانت تمارس بها طقوس التصوف وللؤي الكثير من الصور في هذه الزاوية التي هدمت عام 1949 وهذا يقودنا بالضرورة إلى أوائل الرسوم التي نفذها لؤي لجده وكان عمره آنذاك تسع سنوات، الرسم الذي حاز على إعجاب العائلة آنذاك فعلق في صدر البيت. ومما تعلمه تلك الطريقة لتلاميذها عندما تمنحهم إجازة ممارسة الطريقة (أتعهد أن أكون خادماً لنعال الفقراء..) وأنا هنا لا أقول إن لؤي تتلمذ على يدي جده ليمارس الطريقة لكن هذا التعهد بمثابة ارث روحي وتربوي مارسه لاحقاً في كثير من الأعمال التي تصور الطبقة الدنيا من المجتمع.. من بائع اليانصيب الكسيح إلى بائعة اليانصيب إلى ماسحي الأحذية بأكثر من ستة أعمال، إضافة للكثير من الباعة والنسوة العاملات وهو ما أغفلته الدراسات السابقة بحيث وقع الكثير ممن تعرضوا للؤي بالنقد على أن الكيالي فنان الطبقة المخملية وحسب دون أن يضعوا الأعمال في سياقها الزمني أو النفسي الصحيح؟! ودون هذا الربط بمنبت لؤي الأول سيكون من الصعب تفسير الكثير من المعطيات التي وقع بسوء تفسيرها أكثر من اسم نقدي كبير؟!
منعطف الستينيات
عرف لؤي كنجم تشكيلي بعد تخرجه من إيطاليا وإقامته عرضه في دمشق 1961، 1962 وبهذا الأخير بمعرض الفن الحديث باع كل أعماله 37 لما أثاره هذا العرض من إعجاب الجمهور المتابع آنذاك وتصدرت صفحات الجرائد الكثير من المقالات إلا أن المهم هنا ليس مجرد البيع لأعمال المعرض بل ما قاله عنه د.عبد العزيز علون في كتابه منعطف الستينيات الصفحة 52 بما معناه أن الفنان لؤي باع أعماله بما يوازي 350 ليرة سورية للعمل الواحد بحيث يكون المجموع أكثر مما دفعته المؤسسات والأفراد مقابل الأعمال الفنية من بداية القرن عشرين وحتى بعد منتصفه في سورية، ولهذا الكثير من الدلالات ليس آخرها شهرة لؤي كأهم فنان سوري وليس أولها حالة الغيرة التي استشرت بين الفنانين.. وانعكاسات ذلك لاحقاً على نفسية الفنان!
الإبداع في لوحة كيالي
يعترف الجميع للؤي بقوة خطه في الرسم، ولخروجه على السائد من الأساليب آنذاك في التصوير حتى يمكن القول إن لؤي قارب كثيراً ما بين الرسم والتصوير، إذ غدا الرسم (بمعنى الخط) جزءاً من عملية التصوير وهو تطور كبير أرسى ملامحه في التشكيل السوري هذا إضافة لبحث كيالي عن الأرضيات التي يمكنها أن تحمل بإحساسات مناسبة لتوجهاته الحسية في منح مواضيعه الكثير من الزخرفة وتموج الإثارات الحسية التي تمنحها أرضيات الأعمال وخصوصاً نشارة الخشب المضغوط الذي وجد في ملمسه أرضية خصبة لنبرات ريشته الانفعالية.. إلا أن المهم في تجربة كيالي إضافة للمحطات التشكيلية وليس المقصود تقسيم المراحل بل اللوحات المتعارف عليها والتي تمثل محطات فارقة مثل (ثم ماذا؟!) والتي تعتبر ملحمة فنية تصور مأساة النزوح من فلسطين، حيث يبلغ إيقاع الألم والانكسار التراجيدي ذراه ما يذكر بلوحة الغرنيكا بفارق شكل الرسم، إذ كلا اللوحتين تعتبران ملحمتين فنيتين من حيث التعبير وخصوصية التشكيل آخذاً بعين الاعتبار الفارق بين المدرستين، إضافة للوحته خارج المقهى والتي يعتبرها الكيالي من أهم أعماله والتي تصور بائع اليانصيب الكسيح، إلا أن لكيالي تقاطعات أخرى مع بيكاسو وإن كانت لها الخصوصية الكلية في التعبير أو اختزال التشكيل وثمة أعمال تضاف إلى رصيد الكيالي الإبداعي لم يتحدث عنها النقاد تتجاوز الواقعية الإيحائية التي عمل عليها رولان خوري وتوصف بالمقارنة أعمال الكيالي بأنها تتخذ هذا المنحى من التعبير إلا أن هذا الوصف فيه من الظلم الكثير لمحتوى التعبير عند لؤي ويمكن القول: إن الواقعية عنده كانت تأثيرية وليست إيحائية لأنه لم يكن يتقصد الإيحاء وخصوصاً في أعمال الفقراء والباعة وليس في أعماله الوطنية، بل كان يتقصد التأثير في الآخر عبر التصوير وليست لوحة خارج المقهى إلا دليلاً على ذلك إذ من خلال البائع الكسيح كان يريد القول إنه لا مبرر للتوقف عن العمل فإرادة العمل والعيش أقوى من الإعاقة! وإضافة لما سبق، تخرج بعض الأعمال عن سياقها المدرسي الأكاديمي من حيث كسر نسب التشريح والمنظور بحيث يمثل طرح كيالي بهذه اللوحات نقطة الذروة في إبداعها التشكيلي وهنا يتجاوز كيالي الخط والكتلة النحتية والبعد التأثيري إلى ما يمكن تسميته بالإيهام البصري، حيث لا يمكن بسهولة اكتشاف الخطأ المقصود بهذه الأعمال ما جعلها بمنأى عن الرصد النقدي حتى اليوم وهو ما يؤكد على عبقرية فنية، أؤكد من جديد أنه امتلكها!