International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي من المعاناة إلى ملكوت الفن الرفيع

Article Title : لؤي كيالي من المعاناة إلى ملكوت الفن الرفيع
Article Author : صبحي سعيد
Source : جريدة تشرين السورية-
Publish Date : 2007-07-27


ذات يوم رافقت الفنانة التشكيلية المتميزة ليلى نصير إلى المشفى التي كان يرقد فيها الفنان الكبير لؤي كيالي، بعد الحادث الأليم الذي تعرض له. في ذلك اليوم، شاهدت فيه لؤي كيالي، على سرير المرض، بعد تعرضه لحروق بليغة أصابته في ظروف غامضة.
وكان لؤي كيالي من أوائل الفنانين التشكيليين الكبار، الذين تعرفت إليهم في بداية حياتي الصحفية والأدبية في دمشق. وقد شعرت بأهمية
27/09/2007
هذا الفنان التشكيلي الكبير، من حجم وعمق المأساة التي عبرت لي عنها الفنانة التشكيلية الكبيرة ليلى نصير، وهي تحدثني عن هذا الفنان العبقري، وأدركت أنني عشت دقائق معدودات، مع فنان ترى فيه حركتنا التشكيلية، كنزاً فنياً لايقدر بثمن، ارتفع بالفن التشكيلي السوري إلى المستوى العالمي الرفيع. وبعد عدة أيام، سمعنا عن رحيل هذا الفنان الكبير، ومنذ تلك اللحظات المؤثرة، لم تفارق صورة الفنان لؤي كيالي ذاكرتي. ‏
والفن رواية عميقة في دلالاتها المجازية البليغة، إذا سطرها الفنان بقلب يحترق بلظى معاناته الكاوية. وقد كان لؤي كيالي من أبلغ شعراء اللون، ومن أشدهم حساسية ورهافة، في التعبير عن هموم الحياة، التي تسحق البسطاء الأنقياء، المتميزين.. أي أولئك الذين قال عنهم المتنبي: //إن النفيس غريب أينما كانا//. ‏
لقد كان كيالي بطلاً من أبطال زمانه المرموقين، عبروا بريشتهم الملتهبة، بجمار المأساة، عن جوهر هذه الحياة، التي تسحق بروائحها النتنة، جذور أعظم وأهم وأغلى أشجارها العملاقة الباسقة. هكذا سحقت الحياة لؤي كيالي، لتضع نهاية لنهر إبداعه المتدفق... فغادرنا، بعد أن أثرى حركتنا الفنية بلوحات لاتقدر بثمن، في عالم الفن الرفيع. ‏
ومنذ ذلك الوقت وأنا أرى لؤي كيالي حياً في كل لوحة تركها لنا، يتحرك ويرسم ويتحدث، ويحاور، ويحلق في فضاء أحلامنا الداكنة. فإذا تأملنا لوحات لؤي كيالي، رأينا الزمان في قمة توهجه واندفاعه، على الرغم من أننا نرى هذا التوهج مغلفاً برداء ساكن كئيب. لاشك في أن هذا الرداء هو الرماد، الذي تغلي في أعماقه المأساة، وتموج في فضائه جراح الألم، وندوب المعاناة. في مثل هذه الأجواء تتحرك شخوص لؤي كيالي وكأنها ملائكة من نور، صارعت الظلام طويلاً، فركنت برهة لتسترد أنفاسها، في استراحة محارب مثخن بالجراح، مكلل بحروق بليغة، تهزج ألماً وحسرة. وبذلك يظهر شحوب الشخصيات، وكأنه وسام يخفيه الفارس في أعماق صدره، وفي جيب يغلفه النسيان، ويغلق عليه الصبر، أبواب الحكمة والحلم العتيق. ‏
وتبرهن شخصيات كيالي على قيمتها من خلال حيويتها على الرغم من أننا نراها مثقلة بأعباء الزمن القاسي. لكن هذه الشخصيات تحمل بريق آمالها وأحلامها، في تلك الألوان، التي تدخل من خلالها، إلى أعماق الناظر إليها، المتفاعل معها روحياً، والمتعاطف مع ما تحمله من قيم إنسانية وفنية رفيعة عالية. لذا يشعر الناظر إلى لوحات كيالي بأن شخصياته تحمل في أعماقها ذكريات تاريخية عميقة ثمينة. إنه التاريخ الذي ينبض بأحداث كبيرة مهمة تعبر عنه الشخصية، وتحدد قيمتها الأخلاقية والاجتماعية. (ماسح الأحذية، بائع الذرة، بائع العلكة، المسيح، الحلاق، المرضعة) لوحات تروي قصصاً مؤثرة من أعماق الحياة، وتضيء واقعاً يوقد في الناظر مشاعر حمية، تدعو الروح والفكر إلى التيقظ والحذر، تجاه ظروف الحياة القاسية، ونوائبها التي لا ترحم. ما أعظم الفنان حين يختصر الحياة بهمومها وأحلامها، وبأعماقها التاريخية، وبآفاقها المستقبلية، في شخصية، أو في لوحة، تفترش فضاء اللوحة كلها، حيث تكون عناصرها رموزاً بليغة، ذات دلالات عميقة. هنا تكمن عبقرية الفنان، وهنا قدراته الفذة في تصوير الواقع، بأبلغ وأعمق معانيه.
والسؤال: أين تقف شخوص كيالي من هذا الواقع الذي عايشه الفنان وخبره واكتوى بجمار مأساته؟ هل هم غارقون في اليأس والقنوط؟؟ هل هم يرفلون باللامبالاة؟ أم أنهم يسيرون في الحياة، بخطا ثابتة، تجاه أهدافهم الحياتية الطبيعية، ليؤكدوا قدرتهم وتميزهم في هذا الواقع المرير، بأحداثه الصاخبة؟! هنا يسأل سائل: أية قدرة، وأي تميز، يمكن أن نعثر عليهما، في (ماسح الأحذية) أو في (بائع اليانصيب) أو (الحلاق) أو غيرها من الشخصيات التي تناولها الفنان كيالي؟؟ لاشك في أنه سؤال صعب وإشكالي في الوقت نفسه. ولكي نقترب من الإجابة، لابد أن نسأل: لماذا اختار الفنان شخصية ماسح الأحذية، أو بائع اليانصيب، على سبيل المثال؟ لاشك بأن اختياره كان بدافع الرفض لهذه المهن اللاإنسانية، وتأكيداً لاعتزازه بالذات الإنسانية، التي نريد لها جميعاً السمو والارتقاء. هنا، لا ننسى ما يكمن خلف اللوحة... أي تلك الشخصيات التي يحلم بها الفنان، ويدعونا إلى إيجادها في الواقع. فالفنان لا يرفض، ولا يدين ماسح الأحذية، ولا ينظر إليه نظرة فوقية، بل العكس هو الصحيح.. فالفنان يقدر عاليا هذه الشخصيات البسيطة، لكنه يحلم ويطالب أن تكون هذه الشخصيات في مواقع إنسانية أخرى تليق بمقامها الإنساني.. وهنا تكمن أهمية الفنان ودوره الفعال، حين يدفعنا بأحاسيسه وأحلامه، وأفكاره، للارتقاء إلى ما يتمناه لها الفنان، وإلى المكان الذي يليق بمكانتها البشرية.