International Plastic Artist LOUAY KAYALI
   

Home >> Press Releases >> لؤي كيالي .. هل تنطفئ

Article Title : لؤي كيالي .. هل تنطفئ
Article Author : صلاح الدين محمد
Source : جريدة الثورة السورية - الملحق الثقافي
Publish Date : 1978-12-29


الثورة الجمعة 29-12-1978
لؤي الفنان الإنسان راقبنا سلخ جلده حتى الموت صلاح الدين محمد
كنت تحتضن الحياة .. فكيف أفلتت منك .. كنت أقوى من الموت فكيف تركته يقهرك .. كنت فنانا كيف تموت أيها الساكن في عروق البؤساء .. كيف ودعتنا الوداع الأخير .. لمن تركت فقراء العالم ؟
أربع و أربعون عاما في رحلتك مع الحياة عبر النصال و السكاكين .. عشت يتيم الوالدين .. وحيدا لا أخ لك.. فوجدت في ماسحي الأحذية و العتالين أخوة .. اخترت نفسك صوتا لمن لا صوت لهم و حملت عذابات الدنيا في بياض عينيك و عملت من رموشك كنزة مخملية .. تدفئ الشرايين العارية في ليالي كانون .
حملتنا حضارة إلى حضارات الدنيا جائزة كوبرو والاتري و رافينا و سيسيليا و تركناك صديق الأزقة السكرى آخر الليل .. تبحث عن مسامات تلقي فيها مساحة تتسع لراحة كفك التي رسمت للوطن بدمائك أجمل اللوحات .. تكور جسدك في جسدك .. عسى أن تنام ككائن مكابر يحق له أن ينام .
لؤي .. وضعنا أيدينا تحت قلبك الدامي . نحتضن قطرات دمك و نرشقها في وجهك حلالا .. و بقينا نتفرج كيف تنفصل الشرايين عن لحمك و اللحم عن عظمك و القلب من صدرك و تابعنا سلخ جلدك و بعناه في المزاد العلني ... فنحن نعرف جيدا كيف نتاجر بجلد الفقراء .
موتك لم يكن عاديا .. كان مكابرا كحياتك .. عنيدا كريشتك استمر .. خمسة أشهر .. و شهرين تعيش في حريقك .. تأكل من عظمك التي بدأت تصفر .. و من كبدك الذي بدأ يتلاشى و من معدتك التي صادقت الهواء الخارجي .. موتك كان ماندينغو الموت و كنت ماندينغو الفن الأزلي .
مزقت لوحاتك بعد حزيران -67- و أخذوك بالبيجاما إلى حلب و أنت في فندقك دمشق .. و وضعوك في مستشفى الأمراض العقلية و بعدها اعتذروا منك .. و أخبرتني عن الدكتور – ع.س – الذي أساء إليك .. و أخبرتني كيف ركلوك في سراقب و ضربوك بأخمص البندقية و وضعوك في النظارة .. عساكر الليل .. و لم تصح إلا في بيروت تضع وردة على إعلان لمعرض فاتح المدرس .. و تمضي إلى بيت الدكتور – علاء الدين دروبي – كان جرحك بعد حزيران جرحين جرح الأعداء و جرح الأصدقاء .. و بين الجرح و الجرح آلاف الجروحات .
أتذكر كيف بكت غادة . حينما تطلعت إلى لوحاتك .. و كيف غيرت سيدة ديكور منزلها من أجل لوحة من لوحاتك و كيف رفضت أن تبيع لوحاتك بسعر أعلى لمحمد أيتوني المغترب السوري في أمريكا .. و عندما كنت تجوع . لم يكن أحد يهتم بك قرعت يوما باب الكنيسة لأنك رسمت المسيح فردوك .. و قرعت باب فلسطين لأنك رسمت – ثم ماذا – و لكنك عشت ليلتك تصارع معدتك الخاوية و أتذكر كيف بعت كل ما تملك لتطلب من أوثانت الاستقالة .. أو أن ينصف الشعب الفلسطيني .
أتذكر كيف كنا نستمع إلى صوت روحية عبد الخالق و كنا نبكي – أشم وردة أشم ريحة اللي بكاني – و كيف كنت تذكر مآسي الوطن الكبير تكوينا قول غاندي – قتل هندي -.. لا تقتلوا هنديا آخر - .. و كيف كنت تقول .. كل شيء هراء مقابل تضحية الإنسان بحياته من أجل الوطن .. و أتذكر يوم قلت في قريتنا قوجمان و أنت تقطع مسافات بعيدة مع سعد غنايمي لتلقاني ما أجمل لقاء الأحبة في هذه الحياة التعيسة .
أتذكر كيف كنت تتألم عما رأيت في التلفزيون الإيطالي عن جمع تبرعات للفلسطينيين و نحن أغنى شعوب العالم
و أغنياؤنا يصرفون أموال الشعب العربي في الكازينوهات و مجلات البلاي بوي و على عاهرات العالم .. أتذكر
أنك لم تفرح عندما تحدث التلفزيون الفرنسي عنك لمدة نصف ساعة .. كنت تفضل عليه أن ينشروا بعدل عن عملية كريات شمونة ، ثلاثة شبان ماتوا حبا بفلسطين .
أتذكر أنك لم تستغل اسمك لرفع أسعار لوحاتك .. و أتذكر كيف كنت تقول كل شيء قابل للبيع في هذا العصر .. و كيف كنت تهرع في كل مناسبة للتبرع بلوحاتك .. و كيف تركت 18 ألف ليرة لبنانية في قهوة الحجاز بدمشق عام 1972 ثمن مبيع لوحاتك في منزل الدكتور الدروبي في بيروت .. و أتذكر كما أخبرتني .. كيف تأملتها و انصرفت .. لأنك كنت ترى بأن هذا المبلغ لن يغير شيئا من واقع هذا العلم البائس ، أن الشقاء لن يفنى من العالم أبدا .
مقهى القصر في حلب يتذكرك جيدا و يتذكر لقاءنا قبل يوم الاحتراق مع حامد بدرخان و أنور محمد .. يوم سألتك عن ضعفك الشديد .. قلت بأنك تركت كل شيء سوى حبوب الفاليوم و النوم ..لقد امتنعت عن الطعام و بدأت تسأل عن الأصدقاء محمد عمران – سعيد حورانية – ممدوح عدوان – شوقي بغدادي – نصر الدين البحرة – نادية نصار - فاتح المدرس – نذير نبعة و غيرهم .. كنت تسألني عن أدق مواقفهم الحياتية و المعيشية كأنك تودعهم .. و تودع العالم ..
أتذكر يوم قلت لي يوما .. كانت الحياة صعبة في روما يوم درست .. و البحث كان صعبا عن أعقاب السجاير لتنفيخ سيجارة تجميعية .. كان حبك صعبا لتلك الفتاة لأنك كنت فقيرا ... و أنك لم تتجرأ حتى لتقبيلها بعد سنوات .. كنت تذهب إلى روما بين فترة و أخرى بعد رجوعك 1964 -1965 و كنت تتذكر .. و في المرتين الأخيرتين 1975 – 1977 كنت ترجع مستاء لأن روما الفن قد تحولت إلى بلد التجار و النشترية و السماسرة ..
و في المرة الأخيرة قلت لي .. لا يمكن أن أعيش في روما إنني أحب وطني . يجب أن أعيش في الوطن فأموت في الوطن و على الفنان أن يثبت وجوده في وطنه .
لؤي .. مت .. بربك لماذا مت . لمن تركت الألوان يا أول و أخر نبلاء الفن في هذا الوطن . شهرتك العالمية و معارضك في كل أنحاء العالم و جوائزك العالمية .. كلها لا تعني لي شيئا .. فأنا أخاطبك كصديق . كالنصف الأيمن من قفصي الصدري . لقد خسرتك يا لؤي .. لا تعني لي حلب شيئا الآن حلب تسكنها الأشباح الآن .. لا وجوه أعرفها .. و لا وجه يعرفني .. كنت صديقا في زمن لا أصدقاء لنا فيه كنت صادقا في زمن يفتقد إلى الصدق من من بعدك سيتكلم باسم بائعي اليانصيب و ماسحي الأحذية و كل المعذبين في الأرض ؟
لؤي لا يهمني كل فنك و أنت فنان عظيم سيذكرك التاريخ .. تهمني إنسانيتك في زمن صلب الإنسانية على أبواب المدن المنسية .. لؤي لا شيء في الدنيا أجمل من أن نرتشف فنجان قهوة في مقهى القصر سوية و نراقب رفاقنا ينسحبون في قهرهم إلى الأفاق الرمادية .